وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

هل حان الوقت لأن نعمل أقل في الخليج؟

لقد كانت صدمة كبيرة لمن هم في الإمارات أو خارجها بعد الإعلان عن تحويل أيام العمل من الأحد إلى الخميس، لتصبح من الاثنين إلى الجمعة للمؤسسات الحكومية، مع تغيير ساعات العمل ليصبح أسبوع العمل 4 أيام ونصف يوم بدلاً من خمسة أيام مراعاة لخصوصية الجمعة الدينية والاجتماعية كما يبدو.
رغم أن هذا الاتجاه ليس جديداً، فإن دولاً كثيرة تسير فيه وتحاول تقليص ساعات أو أيام العمل، ونذكر هنا اسكوتلندا التي بدأت في تجربة هذا النموذج هذا العام، وآيسلندا التي طبقته بالفعل بين 2015 و2019، إضافة إلى إسبانيا وغيرها من الدول التي أعلنت عن تجربتها لهذا النظام لمعرفة نتائجه.
خطوات مثل هذه قد تزيد من سعادة المواطنين؛ إذ إن الإنسان يسعد بالعمل لساعات أقل ما دام دخله يبقى ثابتاً، وقد تزيد من جاذبية الدول أو المدن، وفي حالات أخرى قد تساعد بشكل كبير في دمج مدن مثل دبي وأبوظبي في النظام العالمي بشكل أكبر.
لقد أصبح البحث عن جعل المدن عالمية – أو بمعنى آخر زيادة ربطها في النظام العالمي – هدفاً للعديد من المشرّعين في العالم، ومؤخراً في منطقة الشرق الأوسط بعد التوجهات التي تسعى لها السعودية لجعل الرياض وجهة عالمية.
ولكن عالمية المدن أمر معقد لا يمكن أن نعزوه إلى بعض الأمور التنظيمية والإدارية، مثل تقليص ساعات العمل أو تحويل أيام العمل إلى الأسبوع المتعارف عليه عالمياً.
إن تنافسية المدن أمر مهم، ولكنها لا تأتي دون تكاليف، فبعض القرارات التي تزيد من جاذبية المدن للأجانب قد لا تزيده لأبناء الدول أو الشركات العاملة بها. فعلى سبيل المثال تقليص ساعات العمل في الأجهزة الحكومية والإبقاء عليه كما هو في القطاع الخاص سيقلل من جاذبية القطاع الخاص في نظر الباحثين عن العمل، وهذا أمر لا يتماشى مع العديد من الخطط الاقتصادية لغالبية دول المنطقة التي تريد أن يولد القطاع الخاص المزيد من الوظائف.
وإذا ما تأثرت الشركات العاملة بهكذا قرارات فمن غير المستبعد أن تقرر الرحيل إلى مدن أخرى.
الأمر الآخر، هو أن سرعة اتخاذ القرارات التنظيمية لا تجعل الشركات في حالة من الراحة؛ إذ إن نظام الشركات وآلية العمل قد تكون عرضة لتغييرات كبيرة دون الرجوع إلى أصحاب الأعمال وأخذ مرئياتهم.
ولهذا؛ نلاحظ أن الدول والمدن عالمياً حذرة في هذا الأمر، وقد يتطلب إجراء استفتاء عام أو تجربة على نطاق بسيط وبحث نتائجها وتأثيرها على سير الأعمال.
آيسلندا لاحظت أن الإنتاجية زادت مع تقليص أيام العمل، وهذه كانت ملاحظة مهمة، ولكن هل نتوقع أن تكون النتائج مشابهة في دول نامية أو شرق أوسطية؟
شخصياً، لا أعتقد أن تقليص ساعات وأيام العمل أمر مجدٍ اقتصادياً بالنسبة للدول في منطقة الشرق الأوسط، والتي يعمل بها القطاع الحكومي بكفاءة وإنتاجية أقل من القطاع الخاص، ولهذا فإن التقليص يزيد الأمر سوء في نظري.
إن دول المنطقة لم تصل إلى حد النضوج الاقتصادي وهي المرحلة التي يدخلها الاقتصاد بعد سنوات من النمو الكبير والسريع بمعدلات بين 10 و20 في المائة؛ فالمنطقة لم تصل إلى هذا المستوى من النمو الاقتصادي، ولهذا من الأفضل أن نضاعف الجهود حتى نصل إلى مرحلة متقدمة نستطيع التفكير بعدها في العمل ساعات أقل.
وقرار مثل تقليص ساعات العمل أو زيادته يجب أن يكون قراراً تجارياً صرفاً تتحمله الشركات؛ لأنها تستطيع تحديد جدواه. وكلما حسنت الشركات بيئة عملها زادت جاذبيتها.