مارك ثيسن
كاتب اميركي
TT

أصداء كلينتون على صفقة أوباما المريعة

أوضح الرئيس عن اتفاق الإطار النووي أن «هذا الاتفاق جيد بالنسبة للولايات المتحدة، وجيد لحلفائنا، وجيد لأمن العالم بأسره». وقال إن الاتفاق يستلزم منهم «تجميد برنامجهم النووي الحالي، وقبول التفتيش الدولي على كل منشآتهم النووية الحالية». كما قال إن «الاتفاق لا يعتمد على الثقة، فسوف تشرف الوكالة الدولية للطاقة الذرية على التحقق من الامتثال لبنود الاتفاق».
لم يكن الرئيس الذي أدلى بتلك التصريحات هو باراك أوباما، بل كان الرئيس بيل كلينتون، في 18 أكتوبر (تشرين الأول) 1994، حينما أعلن أن إدارته قد توصلت إلى اتفاق إطار نووي مع كوريا الشمالية. بعد اثني عشر عاما، فجّرت كوريا الشمالية قنبلتها النووية الأولى. واليوم، تبتعد بيونغ يانغ بضع سنوات قليلة عن امتلاك ما يقرب من 100 سلاح نووي.
يتماثل بيان الرئيس أوباما قبل أسبوعين مع بيان الرئيس كلينتون قبل عقدين، إذ أعلن أوباما أن اتفاقه «جيد بالنسبة لأمن الولايات المتحدة، وحلفائها، والعالم أجمع». ووصف أوباما الاتفاق بأنه «سوف يجمد التقدم في برنامج إيران النووي»، وأن «المفتشين الدوليين سوف يتاح لهم الدخول غير المسبوق إلى المنشآت النووية». كما تعهد أوباما أيضا بأن «الاتفاق لا يستند إلى مبدأ الثقة، بل يعتمد على التحقق غير المسبوق من الامتثال». يبدو الأمر كما لو أن هناك صيغة ما في حواسيب البيت الأبيض للإعلان عن الصفقات النووية الرهيبة.
قد تتشابه الكلمات، غير أن الإطار الذي توصل إليه أوباما مع إيران هو في واقع الأمر أسوأ من الاتفاق الذي تفاوض كلينتون بشأنه مع كوريا الشمالية. كان على كوريا الشمالية الغش حيال بنود الاتفاق حتى تبزغ كقوة نووية على المسرح العالمي، ولكن لا يتعين على إيران أن تغش، وذلك بسبب أن معظم بنود الاتفاق ينقضي أثرها في غضون عشر سنوات، ولا يلزم الاتفاق إيران بتفكيك أو تدمير أي من منشآتها النووية، والسماح بعمليات تفتيش مفاجئة، وإيقاف عمليات التخصيب، وتجميد البحث والتطوير على أجهزة الطرد المركزية الحديثة أو وقف تطوير الصواريخ البالستية العابرة للقارات.
والأسوأ من ذلك أن الاتفاق يحمل إشارات على رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، التي كلفت النظام الحاكم هناك ما يقرب من 130 مليار دولار خلال عامين فقط. ومن شأن رفع تلك العقوبات أن يؤدي إلى ضخ بلايين الدولارات إلى الاقتصاد الإيراني، وهي الأموال التي يمكن لإيران استخدامها في مواصلة برنامجها النووي، والاستمرار في زعزعة الاستقرار في المنطقة وبناء القدرات الصاروخية التي يمكنها الوصول إلى نيويورك وواشنطن.
تقول إدارة أوباما إن تلك الاتفاقية سوف تمدد من ميقات الاختراق الإيراني لبنود الاتفاق، من شهرين أو ثلاثة شهور حاليا إلى عام كامل، مما يثير تساؤلا لدى البعض: كيف، بأي حال من الأحوال، تمكنت إيران من الوصول إلى ميقات للاختراق بمهلة لا تتجاوز شهرين أو ثلاثة؟ وقع ذلك تحت بصر إدارة أوباما. والآن، عقب السماح لإيران بالاقتراب كثيرا من امتلاك القنبلة، يريد منا أوباما أن نثق بأن الأمور كلها قيد السيطرة؟
عندما أعلن كلينتون عن صفقته مع كوريا الشمالية، تعهد بـ«التزام لا يتزعزع لحماية حلفائنا وصديقتنا الديمقراطية كوريا الجنوبية». وتعهد أوباما بالمثل بـ«التزام لا يتزعزع بالدفاع عن إسرائيل»، وأيضا «بأمن شركائنا في منطقة الخليج العربي». لا يصدق أحد مثل تلك الترهات. لا يريد أحد من العرب أو إسرائيل أي تخفيف للعقوبات المفروضة على إيران الآن، وذلك لأنهم يعلمون أن إيران تمدد قوتها عبر محيط الشرق الأوسط - حيث تدعم المتشددين بالوكالة من بغداد وحتى دمشق وإلى بيروت وصنعاء - وسوف تستخدم الأموال في دعم الأنشطة التوسعية الموالية لها. فإذا كانت إيران بذلك القدر من العدوان تحت وطأة العقوبات الاقتصادية الشديدة، فكيف يكون سلوكهم حينما يغرقون في الأموال؟ إن مكافأة إيران في وقت تتشارك فيه وبمستويات غير مسبوقة بالعدوان عبر المنطقة، لهو محض جنون، وبأكثر من ذلك عندما تتفاوض على صفقة لا تفرض عليها الإيقاف النهائي والدائم لبرنامجها النووي.
سوف تخلص السعودية إلى أن صفقة أوباما «تمهد الطريق إلى القنبلة»، وأنهم سوف يواصلون السعي لامتلاك أسلحتهم النووية الخاصة. وإذا تمكنوا من ذلك فيمكن للإمارات العربية المتحدة ومصر متابعة ذات المسار. إن تلك الدول تدرك أنه، تحت سمع وبصر أوباما، لم تعد الولايات المتحدة تقف موقف الداعم لها. وبعيدا عن تقليل حد الانتشار النووي في منطقة الشرق الأوسط، فإن تلك الاتفاقية قد تشعل سباق التسلح النووي في المنطقة.
أكد أوباما، بطبيعة الحال، في الحديقة الوردية بالبيت الأبيض، أن كل ذلك غير صحيح، وأن إدارته قد اتخذت خطواتها الأولى نحو «اتفاق يهدف إلى إيقاف البرنامج النووي الإيراني».
قبل عقدين من الزمان، تعهد بيل كلينتون بأن إدارته قد اتخذت الخطوات الأولى اللازمة على طريق تطهير شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية. جانَب كلينتون الصواب، وكذلك أوباما.
دعونا نأمل ألا يستلزم الأمر من إيران تفجيرها لقنبلة نووية حتى تلفت انتباه العالم.
* خدمة «واشنطن بوست»