د. فهد التركي
رئيس «مجموعة الفكر 20» بمجموعة العشرين ونائب الرئيس للأبحاث في مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية (كابسارك)
TT

مؤتمر المناخ والالتزام السعودي

لا شك في أن مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP26) هذا العام سيكون له تداعيات هائلة، فقد أكسبته أهميته لقب «اللحظة الحاسمة»، في العالم، وهو بمثابة تقرير مرحلي مدته خمس سنوات بشأن التزامات الدول بأهداف اتفاقية باريس لعام 2015 بشأن تغير المناخ
ومؤتمر المناخ (COP26) منصة تتاح فيها فرصة استعراض التقدم الذي أحرزته الدول في مسيرتها للتخفيف من انبعاثات الكربون وإعادة النظر في كيفية تخطيطها لتحقيق أهداف صافي الانبعاثات الصفرية طويلة الأجل. ومع قرب انتهاء الدورة الأولى من تقييمات التقدم، يتوقع العالم أن الدول في المؤتمر - التي تمثل مجتمعة أكثر من 80 في المائة من انبعاثات الكربون في العالم - ستظهر أملاً في الحد من ارتفاع درجات الحرارة، فقد حان الوقت للتفكير الجاد والمصالحة والتغير.
من خلال مشاركة نفس الاهتمامات البيئية مع بقية العالم، تقر المملكة العربية السعودية بالحاجة الملحة لثني منحنى انبعاثات الكربون العالمية وتسريع الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون. ومن جانبها، تعهدت المملكة مؤخرًا بتحقيق أهدافها لصافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2060، وتخصيص أكثر من 180 مليار دولار لهذا الجهد.
أعلنت المملكة قبل مشاركتها في مؤتمر المناخ (COP26) عن خطتها لصافي الانبعاثات الصفرية أثناء إطلاق مبادرة السعودية الخضراء. وأشاد قادة العالم وخبراء البيئة بهذه المبادرة التي وضعت المملكة بين كبار قادة العمل المناخي، حيث التزمت مع عدة دول بمبادرة خفض انبعاثات الميثان العالمية بنسبة 30% وانبعاثات الكربون السنوية بمقدار 278 مليون طن بحلول عام 2030. هذه التدابير الجريئة لخفض الانبعاثات لا تضاعف تعهد المملكة السابق فحسب، بل تساعد أيضًا في رفع سقف الطموحات العالمية.
والتزمت مبادرة السعودية الخضراء باحتجاز 200 مليون طن من انبعاثات الكربون عن طريق زراعة 450 مليون شجرة واستصلاح ثمانية ملايين هكتار من الأراضي المتدهورة بحلول عام 2030. وذلك إضافة إلى موازنة انبعاثات الكربون واتباعاً لهدف مؤتمر المناخ (COP26) في القضاء على ظاهرة إزالة الغابات العالمية. فإن طموح المملكة الأخضر يدعم المجتمع الدولي في مواجهة التحديات البيئية ويتيح فرصاً مغرية للمستثمرين في الطاقة وفرص عمل جيدة للجيل القادم من القادة في المملكة.
تدرك المملكة أن التغير العالمي مثير للقلق، لذلك خصصت مليار دولار - على نحو استباقي - لجهود تغير المناخ كونها جزءاً من صندوق إقليمي يبلغ 10.4 مليارات دولار لخفض انبعاثات الكربون في الشرق الأوسط. تشمل هذه المبادرات خططاً لإنشاء مركز إقليمي لاحتجاز الكربون وتخزينه، ومركزا إقليميا للإنذار المبكر بالعواصف، وبرنامجا إقليميا لاستمطار السحب، ومركزا إقليميا لتغير المناخ.
وهي أيضاً مدركة - كونها تتخذ النهج العملي– لحقيقة أن هدف صافي الانبعاثات الصفرية سيستغرق وقتاً طويلاً لتحقيقه. فرغم أن أكثر من 180 دولة تشترك حالياً في الهدف نفسه، إلا أنه في الواقع لا يوجد حل واحد يناسب الجميع بسبب الاختلافات المعقدة بين الدول.
ولإدارة هذه التعقيدات وضعت المملكة - عن طريق وزارة الطاقة ومنظومة الطاقة السعودية - إطار عمل الاقتصاد الدائري للكربون في صميم استراتيجيتها الخاصة بتغير المناخ. يمكّن إطار عمل الاقتصاد الدائري للكربون - الذي ابتكرته المملكة واعتمده قادة العالم خلال قمة مجموعة العشرين العام الماضي - الدول من إدارة انبعاثاتها الكربونية بطرقها الخاصة، مع مراعاة ظروفها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الوطنية. تعمل الاستراتيجيات الأربع لإطار العمل - خفض انبعاثات الكربون ومنتجاته وإعادة تدويرها وإعادة استخدامها وإزالتها - بمنزلة دليل شامل لتحقيق صافي الانبعاثات الصفرية من خلال خطوات تدريجية ذات تكلفة معقولة.
وقد طور مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية (كابسارك) مؤشر الاقتصاد الدائري للكربون من أجل تتبع التغيرات التدريجية لكونها خطوات أساسية لهدف مستدام طويل الأجل. يرسم المؤشر - الذي عرض على المشاركين في مؤتمر المناخ (COP26) في غلاسكو - صورة عالمية لأنظمة الطاقة المختلفة من خلال توحيد أداء إدارة الدول للكربون وتصنيفه باستخدام المقاييس المشتركة.
يحرص كابسارك على نشر الممارسات الملائمة بيئياً بين الدول، لذا فإن مؤشر الاقتصاد الدائري للكربون يعد مصدر قوة لمجتمع الأعمال الدولي الذي يؤدي دوراً كبيراً في الانتقال العالمي إلى صافي الانبعاثات الصفرية. فقد التزمت أكثر من 200 شركة - حتى اليوم - (تشترك في إنتاج أكثر من 1.8 تريليون دولار من الإيرادات السنوية وتوظف أكثر من 7 ملايين شخص في 26 قطاع في 21 دولة) بإزالة 1.98 مليار طن متري من انبعاثات الكربون بحلول عام 2040، وهذا يعادل 5.4 في المائة من الانبعاثات السنوية العالمية الحالية.
ومن هذا المنطلق أنتج باحثونا أكثر من 20 نموذجاً إنمائياً، و1800 مجموعة من البيانات، و14 أداة بحثية تدرس مجموعة كاملة من القضايا المتعلقة بالطاقة. ونحن على استعداد تام لدعم صانعي القرار في الحكومات والشركات، والتنبؤ بالمخاوف الاقتصادية والطاقية المستقبلية، وتشكيل سياسات الطاقة لمستقبل مستدام، ودعم التزامات صافي الانبعاثات الصفرية التي يتبناها العالم.
وختاماً، تظهر مشاركة المملكة ودعمها الكامل لمؤتمر المناخ (COP26) التزامها بمواجهة تغير المناخ وحماية البيئة. وهذا يتوافق مع استراتيجيتها لرؤية 2030 لتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط. وسيستكشف كابسارك - مع منظومة الطاقة السعودية والمشاركين في مؤتمر المناخ (COP26) - حلولاً عملية وواقعية لمعادلة صافي الانبعاثات الصفرية العالمية. وسيبحث عن أفضل الممارسات لإحداث الفرق، ومنها الحاجة إلى إزالة الكربون من الصناعات، والتخلص من الطاقة الكهربائية الناتجة عن الفحم، وتحقيق الاستدامة المالية، والقضاء على إزالة الغابات.
نحن نتشارك كوكباً واحداً ولكل منا صوته الخاص. ومن المهم أن تكون أصواتنا حاضرة ومسموعة، وأن نعمل معاً لبناء مستقبل آمن للجميع. يجب أن يكون مؤتمر المناخ (COP26) جهداً تعاونياً، وعلى جميع الأطراف التصدي لتحديات أزمة المناخ من خلال العمل بذكاء واجتهاد.
* نائب الرئيس للأبحاث بمركز الملك عبد الله
للدراسات والبحوث البترولية