كاثرين رامبل
TT

حول «كوفيد» والإنفلونزا والهواء الذي نتنفَّسه

فيروس «كورونا» المسبب لمرض «كوفيد - 19» ليس عدوى الجهاز التنفسي الوحيدة التي يحاربها العالم، خاصة في الأشهر الباردة. ففي الشتاء الماضي، اختفت الإنفلونزا تقريباً في جميع أنحاء العالم لأن الاحتياطات المتخذة ضد «كوفيد - 19»، بما في ذلك الأقنعة والتباعد الاجتماعي، عملت أيضاً على الوقاية منها. قد تكون هذه الاحتياطات قوية بشكل خاص ضد الإنفلونزا لأنها استندت إلى بعض المناعة الوقائية التي تراكمت لدى الناس من سنوات من التعرض السابق لفيروسات الإنفلونزا المختلفة، ولم تكن هناك مثل هذه الحماية من «كوفيد - 19» التي كانت جديدة في السابق.
قد يكون العام الحالي مختلفاً، حيث يعود الناس إلى أنشطتهم المعتادة، وتتراخي الاحتياطات، لكن من خلال تبني ما تعلمناه من «سارس كوف - 2»، فيروس كورونا الذي يسبب «كوفيد - 19»، بما في ذلك التفكير الأحدث حول كيفية انتشار فيروسات الجهاز التنفسي بشكل عام، يمكن للعالم تغيير مسار مواسم الإنفلونزا، مما قد ينقذ عشرات الآلاف من الأرواح.
عندما ظهر «كوفيد - 19» للمرة الأولى، كانت سلطات الصحة العامة قلقة بشكل أساسي من انتشار فيروس «كورونا» الجديد من خلال قطرات سائلة كبيرة، مثل تلك التي تحدث في السعال والعطس. وقد تم اتباع إرشادات السلوك الفردي، مثل: اغسل يديك، حافظ على التباعد مسافة 6 أقدام، وربما امسح مشترياتك من البقالة.
لكن الفهم التفصيلي لانتقال الإنفلونزا الذي تم تطويره على مدى عقود، واعترف به عدد قليل من العلماء الكبار حتى وقت قريب، وضع الأساس لإيقاظ العلماء على حقيقة انتقال فيروس «سارس كوف - 2» المحمول جواً.
وجدت الأبحاث، كما هو الحال مع «سارس كوف - 2»، أن فيروس الإنفلونزا يجري استنشاقه في جزيئات صغيرة بواسطة الأشخاص المصابين في أثناء التنفس والكلام والسعال. وتم العثور على فيروس الإنفلونزا في هواء البيئات المغلقة، بما في ذلك المستشفيات ومراكز الرعاية النهارية للأطفال والطائرات. وكما هو الحال مع فيروس كورونا الجديد، فإنه يمكن للأشخاص نشر الإنفلونزا حتى عندما لا تظهر عليهم أعراضها، وهو مؤشر آخر على أن انتقال العدوى يمكن أن يحدث من دون سعال أو عطس، ولا يتطلب قطرات كبيرة مبللة.
وحال استمرت التوصيات لمكافحة الإنفلونزا في الاعتماد بشكل كبير على غسل اليدين وتنظيف الأسطح، من دون الاعتراف بدور الهواء في انتقال العدوى، فمن غير المرجح أن يحدث انخفاض في الوفيات التي تتراوح بين 12 ألفاً و52 ألف حالة وفاة في الولايات المتحدة سنوياً بسبب الإنفلونزا. ولكن إذا أخذنا صفحة من كتاب إرشادات «كوفيد - 19»، فإنه بإمكان الولايات المتحدة خفض حالات الإنفلونزا، ومنع أيام الغياب عن المدرسة والعمل، وكذلك تقليص الوفيات.
ويجب على الأشخاص الذين يرغبون في منع الإصابة بالإنفلونزا الحصول على لقاح الإنفلونزا الموسمية، ويجب أن يشعروا الآن براحة أكبر عند استخدام الأقنعة. ويبدو أن استخدام الأقنعة وغسل اليدين يقلل من انتقال الإنفلونزا للآخرين داخل المنزل. وقد يرغب الأشخاص القلقون بشأن عدوى الإنفلونزا أيضاً في التفكير في الحد من الوقت الذي يقضونه خلال موسم الإنفلونزا في الأماكن المغلقة المزدحمة، حيث يمكن أن يحدث انتقال العدوى بسهولة أكبر.
وسأعترف أنه من الصعب تجنب الابتعاد عن التجمعات العائلية في أيام العطلات لأننا نريد أن نكون برفقة آخرين، لكن تحاشي ذلك هو الطريقة الفعالة لتقليل المخاطر. فأهم رسالة هي أنك إذا شعرت بالمرض، حتى ولو قليلاً، ابق في المنزل حتى لا تنشر المرض للآخرين.
ومن الناحية الواقعية، سيقضي الناس وقتاً في الداخل مع الآخرين هذا الموسم بأقنعة ومن دون أقنعة. لكن ليس كل مساحة داخلية تشكل المستوى نفسه من المخاطر، فقد تكون الأماكن ذات التهوية السيئة أكثر إثارة للقلق.
ولقد استغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى يتم التعرف على تنظيف الهواء بصفته أداة قوية لتقليل مخاطر انتقال مرض «كوفيد - 19»، ويجب اتباع ذلك بشكل أكثر شمولاً في أثناء وجود الوباء لتقليل حالات الإنفلونزا. فالتهوية والترشيح طريقتان مثبتتان لإزالة الفيروسات جسدياً من الهواء، بحيث يتعرض الأشخاص لعدد أقل منها. وكان ضعف التهوية عاملاً في كثير من أحداث انتشار فيروس كورونا، مثل تفشي الفيروس في منطقة «سكاجيت فالي» بواشنطن.
وهناك بعض الطرق البسيطة لتحسين التهوية، مثل فتح النوافذ والأبواب، فقد أظهرت دراسة صغيرة حديثة، لم تجري مراجعتها بعد من قبل الأقران والنظائر، أن كمية فيروس «كورونا» في الهواء انخفضت عندما زادت التهوية بشكل كبير عن طريق تشغيل مروحة العادم التي تزيل الهواء الفاسد من الغرفة، وسحب الهواء الخارجي من خلال نافذة مفتوحة. ويمكن أن تتطلب الخيارات الفعالة الأخرى مزيداً من الجهد.
ويعد العلاج بالأشعة فوق البنفسجية أسلوباً آخر يستخدم في المستشفيات لقتل الفيروسات في الهواء. ويمكن تطبيق هذه التقنية على نطاق أوسع في الأماكن العامة المزدحمة، على الرغم من أنه يجب تثبيتها بشكل صحيح لتكون فعالة، وتجنب احتمال حدوث ضرر. والتكلفة الأولية أعلى من الأساليب الأخرى، ولكن الأمر يستحق النظر، بصفته جزءاً من تحليل التكلفة والعائد لتقنيات مختلفة.
وقد تكون زيادة الرطوبة مفيدة أيضاً في تقليل انتقال العدوى؛ الأدلة ليست قوية مثل سائر الأدوات، لكن بعض البيانات تظهر أن ترطيب الهواء في نطاق 40 إلى 60 في المائة -ولكن ليس أعلى لأن ذلك يعزز نمو العفن- يمكن أن يساعد. وفي هذا النطاق، لا تنجو بعض فيروسات الإنفلونزا وفيروس كورونا الجديد والفيروسات الأخرى أيضاً، وتكون استجابتنا المناعية أقوى مما كانت عليه عندما يكون الهواء جافاً، لكن هذا التأثير لا يزال غير مفهوم تماماً، ويجب إجراء مزيد من البحث عليه.
واستناداً إلى سنوات من البحث، ما زلت أعتقد أن دور الهواء في انتشار كثير من فيروسات الجهاز التنفسي لا يلقى تقديراً من المجتمع الطبي. وإني آمل أن يكون «كوفيد - 19» قد خلق تحولاً في التفكير في الهواء الذي نتنفسه: لن تشرب كوباً من الماء المليء بمسببات الأمراض والمواد الكيميائية والأوساخ؛ لماذا نتحمل تنفس هواء ملوث؟!
ولا تزال هناك بعض الأمور المجهولة: من غير الواضح ما هو مقدار انتقال الفيروس التنفسي الذي يُعزى إلى استنشاق الهباء الجوي مقابل رشه بقطرات كبيرة ولمس الأسطح الملوثة، وكيف ننمي تلك المعرفة ونصمم المباني لتقليل انتقال المرض؟ هذا سؤال يجب على الحكومات والعلماء معالجته.
وسيكون من الصعب إعادة التفكير في تصميم وتشغيل المباني لمراعاة جودة الهواء، لكن ذلك ليس من المستحيل. ففي مطلع القرن العشرين، ساعد انتشار وتحديث أنظمة معالجة المياه والصرف الصحي في جعل الأمراض الشائعة التي تنقلها المياه، مثل التيفوئيد والكوليرا، أمراً نادراً في الولايات المتحدة وأوروبا. وتعد نتائج الاستثمارات في البنية التحتية للمياه من أعظم إنجازات الصحة العامة في القرن العشرين.
* خدمة «نيويورك تايمز»