هدى الحسيني
صحافية وكاتبة سياسية لبنانية، عملت في صحف ومجلات منها: «الأنوار» في بيروت، و«النهار» العربي والدولي و«الوطن العربي» في باريس ، و«الحوادث» و«الصياد» في لندن . غطت حرب المجاهدين في افغانستان، والثورة الايرانية، والحرب الليبية - التشادية، وعملية الفالاشا في السودان وإثيوبيا، وحرب الخليج الاولى. حاورت الخميني والرئيس الأوغندي عيدي أمين.
TT

متى يتشبه لبنان بدبي فيصبح دولة لا دويلات؟!

كل الشكر للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم إمارة دبي، والشكر ليس ابن ساعته، إنه منذ سنوات كثيرة وسوف يستمر لسنوات أكثر. الشكر الآن لأنه أظهر حرقة وغيرة على لبنان، فلم يرغب إلا أن يشارك في حدث عالمي يقام على أرض دبي التي استعدت له منذ سنوات، لكن ليت لبنان لم يشارك ليعرف اللبنانيون أكثر، من أي طينة هؤلاء الذين يحكمونه. لم يكتفوا بسرقة الشعب، لم يكتفوا بتحويله إلى غرباء في وطنهم وكأنهم لقطاء، لا أحد يتعرف عليهم، يشحذون لقمة الخبز، وحبة الدواء، ويرسلون أطفالهم ليستعطوا على أبواب الأقل فقراً منهم.
أثرياء لبنان كثر، أذلوا الشعب وقبلنا، لكن أن يذلوا لبنان فهذا سكين يغرز في قلب كل لبناني. هؤلاء الذين يصرفون على أعراس أولادهم عشرات الملايين من الدولارات، رغم أن الكل يعرف قيمة رواتبهم، لو تبرع كل واحد منهم بمبلغ 50 ألف دولار لجمعوا أكثر من 7 ملايين دولار تكلفة مشاركة لبنان في «إكسبو دبي» وبكل كرامة. لكن هؤلاء الذين يحكمون لبنان ويسرقونه تعودوا على الأخذ ولا يعرفون العطاء. فالسرقة غير مكلفة لكن الكرامة غالية الثمن. وبكل جرأة يتوجه وفد رسمي لافتتاح الجناح اللبناني وليقدموا «التبولة». اعتبروها من المواهب اللبنانية ومن الكفاءات الاختراعات. أثنى بعضهم على إنجازات الحكومة اللبنانية التي «شاركت» في المعرض العالمي. لم يخجلوا من أن لا دخل لهم بالجناح، ونسوا توجيه الشكر للشيخ محمد بن راشد على محبته الصادقة والكريمة للبنان، والتي هي بلا قيد أو شرط.
لو أن رئيس الوزراء اللبناني الحالي بدل التعبير عن حزنه لدوس إيران وعملائها على سيادة لبنان بإدخالها «المازوت» من دون جمرك أو ضريبة والسماح لـ«حزب الله» ببيع اللبنانيين مواقف مراوغة، رفض إدخال هذا السم إلى لبنان من دون أن يدفع الحزب الرسوم المتوجبة عليه، لكان لبنان استطاع أن يدفع تكاليف جناحه في «إكسبو دبي».
ثم تأتي فضيحة «وثائق باندورا»، فإذا برئيس الوزراء عينه يستخدم الملاذات المالية الخارجية، ويبرر ابنه أن والده فعل ذلك لأن تسجيل الشركات في هذه الدول أسهل وأسرع، وليس للتهرب من دفع الضرائب.
يضحكني من يقول إن دبي كانت صحراء والشيخ محمد حولها إلى أجمل مدن العالم، وإن لبنان كان سويسرا الشرق وصار إلى ما هو عليه الآن. نسي هؤلاء أن والد الشيخ محمد الشيخ راشد كان يرسم على الرمال دبي التي يحلم بها، وأن ابنه البار بعد أن ثبت دولة النظام والقانون شرع في تحقيق أحلام والده وأحلامه بحيث صارت دبي قبلة العالم، ثم هل نجد أياً من أبناء دبي من لا يغار على بلده أو يفكر في الهجرة؟
أما في لبنان فلم يتأخر زعماء الميليشيات من تدمير كل شيء، وزاد الاحتلال السوري في نشر الفساد وإلغاء الولاء للبنان. وعندما زار مرة فاروق الشرع وكان وزيراً للخارجية لبنان، أخذه رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري في جولة على «سوليدير» وهو فخور بما أنجز، فكان رد فعل الشرع: مجنون من يقوم بمثل هذا المشروع. ثم كان اغتيال الحريري، وانتشر «حزب الله» يعيث خراباً في الدولة اللبنانية، وكما وجد الفلسطينيون والسوريون لبنانيين عملاء لهم، هكذا وجدت إيران الآن عملاء لبنانيين لها. لقد احتل جيش العراق الكويت بجحافله ولم يجد كويتياً واحداً يلقي على جنوده السلام، في حين كان الاحتلال السوري يقرر عدد أعضاء مجلس النواب ويشكل الحكومات ويختار رؤساء الجمهورية. والآن جاءنا حسن نصر الله ليقول لنا إن كل أمواله وأسلحته تأتي من إيران «وطالما هناك دولارات في إيران هناك دولارات لدينا». إذا كان الأمر كذلك لماذا اعتمد حزب «أشرف الناس» سرقة الدولة اللبنانية وتهريب كل ما هو مدعوم من أموال اللبنانيين إلى سوريا؟ ولماذا يقول إن الأزمة اللبنانية سببها حصار أميركي - إسرائيلي - خليجي؟ ثم يطل علينا من يحمل صفة رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» هاشم صفي الدين ليهدد اللبنانيين: نحن حتى الآن لم نخض معركة إخراج الولايات المتحدة من أجهزة الدولة، ولكن إذا جاء اليوم المناسب وخضنا هذه المعركة فسيشاهد اللبنانيون شيئا آخر.
ما رأيه لو يسرع بتقريب هذا اليوم؟ وكأن الحزب أبقى أجهزة في الدولة. ماذا سيحل بكل الذين زج بهم في هذه الأجهزة؟ ويقول صفي الدين: إن كان هناك أمر في آخر الدنيا يمكن أن يرفع الأعباء عن الناس، سنذهب إلى آخر الدنيا لنأتي به.
نرجوك أن تذهب ولا تعود لأنكم أنتم العبء ولأن أكثرية اللبنانيين لم تعد تتحملكم وأنتم تعرفون ذلك. منذ انفجار مرفأ بيروت وما تسبب فيه من سقوط قتلى وضحايا وتدمير ثلث العاصمة ونصر الله يطالب بتغيير المحقق العدلي طارق البيطار الذي يتولى التحقيق ويطبق الخناق، ويحرك الحزب كل عملائه لإيجاد ثغرات في القانون تخولهم رفع قضايا لوقف التحقيق أو «نقبع» القاضي كما هدد وفيق صفا وزير داخلية لبنان الحقيقي. لبى نداء نصر الله الطامعون في منصب رئاسة الجمهورية وأيضاً في منصب رئاسة الوزراء. وهذا يؤكد أن العدالة في لبنان ليست حقاً، وإنما يجب القتال من أجلها. ولأن الاغتيالات سهلة في لبنان، الكل يعرف القاتل والكل يتظاهر بأنه لا يعرف، شعر أهالي ضحايا المرفأ بتأنيب ضمير مسبق وراود البعض التخلي عن المطالبة بحق الضحايا والكشف عمن أتى بنيترات الأمونيوم – رغم أنه معروف - خوفاً من أن يرتكب «المعروف» جريمة اغتيال القاضي البيطار.
لكن إذا ظلت الحكومة الجديدة تحت إمرة «حزب الله» ومشغولة في التحضير للانتخابات، كما يريد الثنائي الشيعي، فعلى اللبنانيين ألا يتفاجأوا، فكما عادت «طالبان» إلى الحكم في أفغانستان، ستعود المنظومة الفاسدة نفسها، وعندها سنشكر فرنسا التي تبنت هذه الحكومة، إذ ليست إيران من تستعمل لبنان لأهدافها، كذلك فرنسا تستعمل لبنان لأهدافها الإيرانية. لكن ليس كل ما يشتهيه المرء يدركه.
نعود إلى دبي وإلى التبرع الذي قدمه الشيخ محمد بن راشد، فأكد ما هو الخليج العربي الذي يهاجمه محور الممانعة ليل نهار من لبنان، وينعته وزير خارجية عنصري بالبدو، متجاهلاً أنه منذ أن سلم المسؤولون اللبنانيون «حزب الله» الدولة، وأمعنوا هم سرقة وفساداً، صار لبنان الذي كان بارزاً في كل المحافل الدولية وكان رائداً في رعاية وتنظيم المعارض والمهرجانات والمؤتمرات، بحاجة إلى من يسدد تكلفة اشتراكه في أهم تجمع تجاري مالي، وثقافي في العالم. إنها المذلة بعينها، ومثال يُدرس لانحدار الدول نحو الفشل.
وهنا لا بد من التذكير بمشاركة الرئيس اللبناني ميشال عون قبل وباء «كورونا»، في اجتماع الدورة السنوية للأمم المتحدة بوفد من 160 شخصاً بتكلفة مليون دولار (من دفعها؟)، في الوقت الذي فات وزير خارجيته دفع رسم اشتراك لبنان في الأمم المتحدة حيث أغنى يوماً شارل مالك الأمم المتحدة بخطبه، ولحقه غسان تويني بتحليلاته، مما تسبب في تعليق عضويته. ويجب التذكير أيضاً برحلات جبران باسيل إلى 148 عاصمة ومدينة في العالم بتكلفة 4 ملايين دولار لم تعد بأي نفع للبلد، الذي زادت عزلته عن المجتمع الدولي وخسر صداقات قديمة تعب عليها الأولون مع دول كانت دائماً إلى جانبه، وبالتأكيد لم تأت بأي نفع لاقتصاد لبنان صناعة، وزراعة، وخدمات كما يمكن أن تأتي عن طريق حدث عالمي مثل «إكسبو 2020»، كان يمكن أن يخسر لبنان فرصة حضوره بسبب سرقات أثرياء لبنان لولا تكرم الشيخ محمد بن راشد وهذا سيبقى جميلاً في عنق كل لبناني باستثناء المافيا.
ولكن الذين زاروا جناح لبنان في دبي قالوا إنه حزين وأهم ما يعرض فيه بعض المشروبات، والحلويات، والأشغال اليدوية، ويمر معظم الزائرين بلا توقف ومن دون توقيع أي عقود لاستيراد ما يعرض، لأن القيمين على شؤون البلد لم يقفوا في وجه من أساء إلى سمعته، وصدر المخدرات بالمنتجات الزراعية، وألغى الهيئات الرقابية الناظمة للمعايير والجودة، ومنع استقراراً هو الأساس في التصدير إذا حصل، وضرب صناعة السياحة التي كنا نتغنى بها، وإلى أجل غير مسمى.
كان على القيمين على جناح لبنان أن يرفعوا صورة ألكسندرا نجار ابنة الثالثة من العمر التي راحت ضحية الانفجار، وصور فوج الإطفائية الذين تم إرسالهم إلى الموت، وأن يرفعوا صورة ما تبقى من سيلو القمح الذي تنوي دولة المافيا الآن هدمه وكأنها تريد محو آثار جريمة هزت العالم ولم تهز من يريد أن «يقبع» القاضي البيطار.
مرة جديدة شكراً للشيخ محمد بن راشد، لكن ليته لم يتكرم على منظومة باعت لبنان بأبخس الأسعار!