مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

للسياسة أوجه متعددة ومتغيرة

يبدو أنه لا مهرب من التسليم بأنَّ للسياسة أوجهاً كثيرة متقلبة ومتوترة، وفي ضوء هذه المتغيرات، فلنأخذ بما وراء الأخبار فهناك ما يستحق معرفة حقيقته التي تقودنا إلى الاعتقاد بأنه عندما تم تصعيد التوترات بين أذربيجان وإيران لا يحتوي ذلك على متغير بعينه، لذلك لا يمكن أن يكون لها أكثر من مفند واحد، وهو أنَّ الأزمة السياسية قديمة وتاريخية. فالأذريون كثيرون في إيران، وإذا اشتعلت الحرب فقد يؤدي ذلك إلى وقوفهم إلى جانب أذربيجان، فتكون بداية لخلخلة النسيج الإيراني في الداخل، فهل هناك ثمة خطر تشير إليه الأحداث؟
لكن الصراع على الحدود بين البلدين له مآرب مهمة لإيران، ويشكل أولوية أكبر من مستوى الضجيج، وتتابعت التحذيرات من عدد من المسؤولين في الجيش العسكري الإيراني حول الوجود الإسرائيلي، وأن المناورات الحالية تزداد أهمية في ظل «الحضور العلني والخفي» الإسرائيلي، وشملت هذه التحذيرات كل من يتدخل في هذا الميدان.
لم تكن تلك الأحداث ذات الضجيج والتداعيات تروق لكثير من دول العالم، فكل ما يحدث يعوق التركيز ويؤدي إلى الاضطراب في اتخاذ القرارات، والحقيقة هنا تلك الريبة الإيرانية من العلاقات الوطيدة الأذربيجانية الإسرائيلية، علماً بأن أول المطبعين مع إسرائيل هي إيران منذ عهد الشاه، ومرة أخرى نكرر أنهم مولعون بالضوضاء أكثر من غيرهم وتغذية الفوضى وزعزعة الاستقرار، فقد شغلوا العالم بالاتفاق النووي وتبعاته، دولة تصدر مفاهيم خاصة بها، وكل ذلك لتوطيد مؤقت ينبع من الحاجات والضرورات غير القابلة للفصل في الحياة السياسية والاقتصادية والعسكرية نفسها التي تنتهجها، حيث غلفت الأسباب والتداعيات، وتحاول طهران دعم وجهة نظرها عن طريق سفسطة تفيض زيفاً وكذباً، وسيكون مفاجئاً لو كان الأمر خلاف ذلك ففي آخر المطاف لا تتوازن السفن التي تمتلكها وسط أمواج متلاطمة.
لم تكمل إيران مشروعها بمنفذ يقربها من أوروبا عبر أرمينيا، وهذا أخذ ألف شكل من جهودها المبذولة نحو الهدف المنشود، ولكن بخروج أرمينيا من إقليم «ناغورنو كاراباخ» فقدت هذا المنفذ لأنه يمر عبر الإقليم، ومن هنا بدأت المشكلة مع أذربيجان، وكبر الخلاف وهذا ما يجر دوماً إلى المزيد من العنف في المنطقة، ويؤدي إلى تصاعد التوتر في العلاقات.
لذا، لا شيء يتيح للحدود بأن تستقر في دول آسيا الوسطى بعد انسحاب أميركا من أفغانستان، وتمكين طالبان من حكمها وإدارة شؤون البلاد، وما حدث ستترتب عليه أحداث إقليمية وعالمية كبرى، فآسيا الوسطى التي تتنافس فيها الصين والهند والولايات المتحدة، تحولت إلى عامل أساسي من عوامل رسم السياسة وصياغتها من جديد والتنافس بين هذه القوى عليها، لتشكيل مرحلة جديدة.
من إذاً سيكون معنياً بهذه الأزمة الحدودية؟ مروراً بآخر التطورات غير إيران وخوفها من الاختراقات واجتياح شعوب وافدة كما نُشر مؤخراً في صحيفة كيهان، وهي صحيفة مرتبطة بالمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، الذي حذر من «تحالف غير مرئي» بين الولايات المتحدة وتركيا وأذربيجان وأرمينيا وإسرائيل، قائلاً إنه يمكن أن يكون له «تأثير كبير» على إيران والثقل السياسي لروسيا في المنطقة، وأثارت هذه التحركات ردة فعل مزدوجة لعدد من الدول.
سرعان ما أصبحت التحديات اليوم شرق آسيا، والبداية ستكون من آسيا الوسطى بإذكاء النزاعات والصراعات التي اشتعلت شرارتها من الحدود، فكل هذه التحركات تبقى ضمن الأهداف عطفاً على موقعها في قلب العالم، الأمر الذي ينطوي على أهمية خاصة حول أوراسيا، لما لها من أهمية من حيث الموقع والموارد الطبيعية والاقتصادية ذات القيمة النسبية المرتفعة بالنسبة لعناصر القوة الاستراتيجية من نفط وغاز ويورانيوم ومعادن ومياه وغيرها، وهنا يكمن المعيار الكامل لوجه آخر من أوجه السياسة بين القوى الدولية الكبرى عبر العديد من المراحل التاريخية السابقة، كالصراع الذي جرى بين الإمبراطورية البريطانية والإمبراطورية الروسية في القرن التاسع عشر، فما هي هذه الأهداف والامتيازات التي ستغير العالم؟