داود الفرحان
حاصل على بكالوريوس الصحافة من جامعة بغداد عام 1968. نائب نقيب الصحافيين العراقيين لثلاث دورات، الأمين العام المساعد لاتحاد الصحافيين العرب. مدير «مركز المعلومات والبحوث» في وزارة الثقافة والإعلام العراقية. معاون المدير العام لوكالة الأنباء العراقية. المستشار الإعلامي للسفارة العراقية في القاهرة (1989 - 1990). كاتب عمود صحافي في الصحف العراقية منذ عام 1966، وكاتب عمود في مجلات: «المجلة» السعودية، و«الأهرام العربي»، و«الصدى» الإماراتية، و«اليمامة» السعودية، و«التضامن» اللندنية. رئيس تحرير صحف ومجلات عراقية أسبوعية عدة ومؤلف لعدد من الكتب.
TT

سيدة من تونس تدخل المعمعة

أول سيدة في العالم تولت رئاسة الوزراء بشكل غير وراثي في التاريخ الحديث هي السيدة سيريمافو باندرانايكا، في دولة سيلان الآسيوية في الفترة من يوليو (تموز) 1960 إلى مارس (آذار) 1965 تحت سلطة الملكة البريطانية إليزابيث الثانية، التي كانت تستعمر تلك الجزيرة الآسيوية الجنوبية في المحيط الهندي، وعاصمتها كولومبو.
وقد ارتبط دخول الإسلام إلى هذا البلد الجميل بوصول الفتوحات الإسلامية في نهاية القرن الهجري الأول وبداية القرن الهجري الثاني مع دخول الإسلام إلى الهند وإندونيسيا. وكانت للتجار العرب علاقات تجارية واسعة مع جزيرة «سرنديب»، وهو الاسم التاريخي القديم لسيلان الذي أطلقه العرب عليها، وورد ذكره في كثير من كتب الجغرافيا والتاريخ والرحلات.
واشتهرت «سرنديب» في مصر حين نفى المستعمرون الإنجليز إليها زعماء ثورة أحمد عرابي عام 1882 لمدة عشرين عاماً. ومعنى كلمة «سرنديب» «المفاجأة السعيدة»، وورد اسمها في قصص ألف ليلة وليلة ومغامرات السندباد البحري ورحلات السائح العربي الأشهر ابن بطوطة إليها في عام 1344م.
وارتبطت «سرنديب» وهي لاحقاً «سيلان» ثم «سريلانكا» بعلاقات متينة مع مصر في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ونشوء حركة عدم الانحياز. وهذه المقدمة ليست عن السيدة باندرانايكا البوذية التي تعد عميدة رئيسات وزراء دول العالم إلى أن توفيت في عام 2000، لكنه عن أحدث رئيسة وزراء في العالم، وهي السيدة التونسية الأستاذة الجامعية نجلاء بودن رمضان، التي كلفها الرئيس التونسي الحالي قيس سعيّد، تشكيل حكومة جديدة خلفاً لحكومة «الإخوان المسلمين». وهي أستاذة في كلية الهندسة ومتخصصة في الجيولوجيا، ولم تُعرف لها أي ارتباطات سياسية بأي حزب أو تنظيم سياسي.
ما زال العالم يتحدث عن اعتزال المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي شغلت منصبها الرفيع أربع مرات متتالية خلال 16 عاماً، وهي ابنة رجل دين مسيحي نشأت في ألمانيا الشرقية (الديمقراطية) والمهووسة بموسيقى ريتشارد فاغنز الألماني، الذي سيطر على النصف الثاني من العصر الرومانسي في الموسيقى، بعد أن كان بيتهوفن قد سيطر على القسم الأول. وكان فاغنر أحد الموسيقيين المفضلين لدى الزعيم النازي الألماني أدولف هتلر، ولذلك تحظر إسرائيل عزف مؤلفاته الموسيقية فيها.
لا خلاف على أن ميركل ستترك فراغاً هائلاً في المستشارية الألمانية، حيث كانت «رجل دولة» من الطراز الأول، وتفوقت على من كان الإنجليز يسمونها المرأة الحديدية مارغريت ثاتشر. فميركل، إلى جانب رؤيتها السياسية الإنسانية والأخلاقية، تختلف كثيراً عن ثاتشر التي تسببت في كثير من الأزمات السياسية الدولية، وقادت حرباً دامية في الأرجنتين حول جزر الفوكلاند. ويُحسب لميركل موقفها المتميز عن غيرها من الدول الأوروبية في الترحيب باللاجئين العرب بعد ما سمي «الربيع العربي» إلى حد تسجيل حوالي مليوني طالب لجوء عربي إلى ألمانيا، نصفهم تقريباً من السوريين.
الآن أصبح منصب رئاسة الوزراء مشاعاً أمام النساء في جميع القارات المأهولة. لكنها المرة الأولى التي تصبح فيها سيدة عربية بهذا المنصب المهم، وتُحسب للرئيس التونسي قيس سعيد، جرأته في اتخاذ هذا القرار وسط ظروف سياسية وحزبية صعبة تمر بها بلاده.
كان العراق البلد العربي الأول الذي فتح أبواب الوزارات أمام النساء، حين قرر رئيس الوزراء الراحل عبد الكريم قاسم، تعيين الناشطة الشيوعية العراقية نزيهة الدليمي وزيرة للبلديات بعد ثورة 14 يوليو 1958.
وتذكرني الراحلة نزيهة بقرار اتخذته بتفقد أمانة العاصمة بغداد التابعة لوزارة البلديات، فتم في عام 1961 تعليق لافتة ضخمة على باب الأمانة تقول: «مرحباً بالوزيرة المناضلة نزيهة الدليمي». وكنت آنذاك موظفاً جديداً في الأمانة. ولأن الدنيا صيف ولم نكن ننعم برفاهية أجهزة التكييف، فقد قام الفراشون برش أرضيات الغرف بالماء لتبريد الجو، وتولى «الملاحظ» بنفسه قتل جميع الذباب، وساعده في هذه المهمة «معاونو الملاحظ» الذين طاردوا القطط السائبة التي كانت تصول وتجول بين المكاتب تلتقط بقايا الكباب من «سندويتشات» الموظفين.
وفجأة صرخ أحدهم: «جاءت الوزيرة»! وكانت المرحومة نزيهة الدليمي وزيرة مثقفة ومحترمة لها شنة ورنة، باعتبارها عضواً قيادياً في الحزب الشيوعي العراقي آنذاك، وهو ما دفع أحد زملائي في الغرفة التي تضم سبعة موظفين، وكان شيوعي الهوى ومن المقاومة الشعبية، إلى الصراخ فور دخول الوزيرة: «قيام»! وقمنا من كراسينا مثل تلاميذ المدارس حين دخلت «الوزيرة» وخلفها خمسة من مرافقيها. وقالت: صباح الخير. إلا أننا لم نرد من هول المفاجأة كما كان يقول الفنان يوسف وهبي. فلم تكن السيدة الداخلة وزيرة البلديات وإنما المطربة الشعبية العراقية الراحلة زهور حسين صاحبة أجمل الأغاني في تلك السنوات! وقد تصادف أن جاءت المطربة في التوقيت المفترض نفسه للوزيرة لإنهاء بعض الأوراق الخاصة بملهى كانت تمتلكه في بغداد، واسمه «ليالي الصفا». دخلت علينا زهور حسين بعباءتها البغدادية السوداء وخلفها سائقها ومحاسب الملهى وثلاثة من حراسها، بينما لم تقم الوزيرة بالزيارة أساساً! لأن مجلس الوزراء عقد اجتماعاً طارئاً كان يستوجب حضورها، وكان عبد الكريم قاسم يعتبرها أهم من معظم الوزراء، وكادت الراحلة تصبح أول رئيسة وزراء عربية.
لقد عَرف تاريخ النساء الحاكمات شخصيات كبرى في التأثيرات السياسية المحلية والدولية مثل أنديرا غاندي في الهند، وهي ابنة جواهر لال نهرو أول رئيس وزراء هندي. وقد اغتالها متطرف سيخي من حراسها. وفي عهد هذه المرأة العظيمة أنتجت بلادها أول قنبلة نووية هندية. ومن رئيسات وزراء هذا الجزء من العالم بعد سريلانكا والهند السيدة بينظير بوتو، وهي أول امرأة في بلد مسلم تشغل منصب رئيس الوزراء، واشتهرت بأنها ابنة السياسي ورئيس باكستان الأسبق ذو الفقار علي بوتو من زوجته الثانية الإيرانية. فضلاً على أنها خريجة أرقى جامعتين في العالم هما هارفارد الأميركية وأكسفورد البريطانية. وقصة هذه المرأة تستحق الدراسة، فبعد تخرجها قبل فترة قصيرة من الانقلاب الذي قاده ضياء الحق على والدها تم اعتقالها ونفيها مع والدتها، ثم عادت من جديد عام 1986 لتقود المعارضة بعد وفاة ضياء الحق في حادث طائرة متعمد. وبعد الانتخابات التشريعية فازت بينظير بالأغلبية، وشغلت منصب رئيس الوزراء لأول مرة مرتين، وفشلت في الانتخابات الثالثة، ولاحقها الفساد بتهمة غسل الأموال فعادت إلى لندن وبرأتها المحاكم البريطانية، إلا أن القضاء الباكستاني حكم عليها بثلاث سنوات سجن وعرض عليها الرئيس الجديد برويز مشرف تقاسم السلطة، لكنها قررت خوض الانتخابات التالية. وعند عودتها إلى كراتشي يوم 18 أكتوبر (تشرين الأول) 2007 استهدف موكبها تفجيران انتحاريان بعد يوم واحد من عودتها أدى إلى مقتل 125 شخصاً، ولم تُصب بينظير بأذى. ولكن بعد شهرين نجحت محاولة أخرى لاغتيالها في مؤتمر انتخابي في روالبندي. وبذلك دخلت هذه السيدة التاريخ في إصرارها على احتراف السياسة والقيادة، فلم تكن مجرد رئيسة وزراء تخضع لسلطات رئيس الجمهورية، لكنها كانت صاحبة دور وكلمة وقرار وزعامة وأين؟ في باكستان التي تعني السياسة فيها الانتحار، كما هو الحال في الهند وأفغانستان وإيران وبنغلاديش. وهذه الدولة الأخيرة فيها سيدتان تركتا أثراً كبيراً في سياسة البلاد هما خالدة ضياء الرحمن وشيخة حسينية واجد التي تناوبت السلطة مع خالدة. في قائمة أقوى 100 امرأة في العالم في مجلة «فوربس» في أعوام 2004 و2005 و2006.
ومن رئيسات الوزراء المهمات تريزا ماي في بريطانيا وغولدا مائير في إسرائيل.
كان كثيرون في العالم العربي يتوقعون أن تكون أول رئيسة وزراء عربية من لبنان أو مصر أو السودان. لكن تونس سبقت الآخرين فاستحقت التهنئة السيدة المهندسة نجلاء بودن، وعليها إثبات جدارتها بين نساء العالم.