وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

فلنتعلم من أندية كرة القدم

من المفارقات التي لا أجد لها تفسيراً كبيراً في نظري هو تقبل عامة الناس لكثير من الأمور عندما يصبح الحديث عن كرة القدم، فيما لا يتم تقبلها خارج المستطيل الأخضر. ومن بين هذه الأمور الاستعانة باللاعبين الأجانب.
هذا الأمر له صلة وثيقة بالتناقص الثقافي فيما يتعلق بثقافة العمل. وعلى كل حال، هذا الأمر ليس حكراً على منطقتنا أو على المملكة، بل هو أمر شائع في دول كثيرة، مثل بريطانيا التي خرجت من الاتحاد الأوروبي بسبب العدائية الشديدة للعمالة الأوروبية الأخرى من دول الاتحاد، على الرغم من أن البريطانيين كان لديهم الحق نفسه في العمل في دول أخرى، ولكن يبدو أن النظرة تختلف عندما تصبح الأمور «على أرضك وبين جمهورك».
أنا لي نظرة محايدة نوعاً ما في هذا الأمر؛ أنا أرى أن الاستعانة بالأجنبي، سواء في الملعب أو في الاقتصاد أو في المنشأة، هو أمر صحي جداً، إذ إن التنوع الثقافي مهم جداً لبيئة العمل وتطورها.
هذا الأمر يجب أن يكون مشروطاً بقوانين واضحة ولوائح تنظمه وتضمن التجانس المطلوب في مكان العمل. ولهذا، نرى أن الأندية تضع حداً لعدد اللاعبين الأجانب الذي يجب الاستعانة بهم حتى لا تصبح الأمور فوضوية.
وأرى أنه من الصحي جداً أن يكون هناك سقف أعلى للأجانب في الأندية، وكذلك يجب أن يكون في الاقتصاد، إذ إن الأندية استفادت كثيراً من اللاعبين الأجانب، وساهم كثير منهم في تحقيق بطولات كثيرة جداً على المستوى المحلي والقاري. وهذا الأمر تشترك فيه دول غنية وأخرى أقل ثراء، مثل ما نراه في الأندية السعودية والمصرية على سبيل المثال.
ما يختلف بين الأندية السعودية والمصرية هو شح الموارد، ولهذا تحرص إدارة النادي في مصر على استقطاب لاعبين يكونون إضافة كبيرة للفريق، وليس فقط من أجل الاستفادة من الحق في استقطاب اللاعب الأجنبي، بينما نرى في الأندية السعودية أن اللاعبين يتم استقطابهم بأعداد كبيرة، ويتم تغييرهم في مرات كثيرة بعد أشهر قليلة، ويتم جلب غيرهم في حلقة مفرغة ودوامة لا تنتهي.
وما ينطبق على الأندية ينطبق على الاقتصاد، وهنا يتم تمثيل الاقتصاد بالقطاع الرياضي ككل أو بالمنتخبات. وهنا نسأل: هل يستفيد الاقتصاد من العنصر الأجنبي؟ في نظري، نعم. وهنا الحديث بالمشاهد أكثر من الأرقام. تخيلوا لو أن الدوري الإسباني لا يستقطب كل هؤلاء اللاعبين المميزين من الخارج، هل كانت نسبة المشاهدة والأهمية له هي نفسها من دون ميسي ورنالدو وغيرهم ممن سبقوهم؟ بالعكس، لقد ساهم هؤلاء في رفع مداخيل هذه الأندية، على الرغم من أنهم يتقاضون أجوراً أعلى من اللاعبين الإسبان.
المحير هنا هو لماذا لم يتأثر منتخب إسبانيا ويضعف على الرغم من محدودية مشاركة اللاعبين الإسبان في الفرق الكبرى، قياساً بالأجانب؟ لأن التنافسية عالية، ولهذا نرى أن النادي لا يهتم للجنسية قدر ما يهتم بالأداء والمهارات. وهنا، أصبح منتخب إسبانيا كله نجوم. المشكلة الوحيدة أن غالبية النجوم هم من أندية قليلة جداً، فيما لا يجد غالبية اللاعبين طريقهم للمنتخب. وهنا، قد نتحدث عن سوء توزيع الثروات في الاقتصاد، عندما تتكدس الكفاءات في شريحة معينة من الأندية، ولا يستفيد الباقون، وينحصر التنافس بين الفئة القليلة منها.
أنا لا ألوم الشخص العادي فيما يحدث الذي يمثل في كرة القدم المشجع. فالنادي يستفيد من الأجانب، والكل يفرح بالبطولات، ولكن لا أحد يتحدث عن قلة المواهب المحلية في الفريق. بينما عند الحديث عن الدخل والمال، تتغير الأمور، وفي الحقيقة المبدأ واحد. ما الفرق بين أن نرى لاعباً أجنبياً يتقاضى عشرة أضعاف لاعب محلي وأن نرى الأمر نفسه في الشركات، عندما يتقاضى مدير أجنبي ضعف راتب المدير المحلي؟!
لو أن الاختيار يتم على أساس الكفاءة والمهارات لأصبحت الأمور جيدة، ولكن ما يحدث في الاقتصاد وعالم الشركات في السعودية في غالب الأحيان هو نتيجة ثقافة، حيث إنه يجب الاستعانة بالأجنبي في مناصب معينة فقط لأن النظام يسمح بذلك.
يجب أن نكون منصفين هنا، فاللاعب الأجنبي مثل المدير الأجنبي يجب أن يكون على قدر الاحتياج، ويكون ذا قيمة مضافة عالية. وهذا الأمر لا يمكن للدولة أن تتدخل فيه، إذ إن تدخلها سيجعل إدارة الشركات وربحيتها في خطر. الدولة ليس عليها سوى دعم المواهب بالطريقة المناسبة، وتنميتها لتكون منتجة. لهذا يتم صقل المواهب بصورة جيدة في الأكاديميات الرياضية، بينما تفشل الجامعات في ذلك لأن الجامعة مفصولة عن سوق العمل، ويتم تأهيل الطالب على «مزاج» الجامعة وطاقمها الأكاديمي الذي ينشغل بعضهم بالاستشارات والبحث عن مناصب خارج الأكاديمية، وتكون الجامعة لهم مجرد سلم لتسلق مراتب العمل في القطاع الخاص والحكومي.
إن ما نحتاج إليه هو أمران: الأول أن ننتقل من التعليم الجامعي إلى التعليم المتخصص، ولننسى مبدأ البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، ولنركز على المهارات. الأمر الآخر هو ما أريد كل شخص أن يسأل نفسه بإخلاص عنه: هل مهاراتي تسمح لي بالانضمام إلى «غوغل» أو «مايكروسوفت» أو «تويوتا» في الإدارات الرئيسية؟ إذا كانت المواهب لا تصلح إلا محلياً، فهي ليست ذات جودة تنافسية، مثلها مثل اللاعب السعودي الذي لا يستطيع النجاح في الاحتراف خارجياً، بينما ينجح غيره، وهذا ما يجعل المنتخب السعودي مختلفاً عن منتخبات أخرى. في رأيي المتواضع، السر هو تنافسية اللاعب المحلي في الخارج.