د.سامح فـــوزي
كاتب مصري وباحث أكاديمي، مدير مركز دراسات التنمية بمكتبة الإسكندرية، وعضو مجلس الشورى المستقيل عن التيار المدني.
TT

الامتحان الاقتصادي

جاء إلى القاهرة - الأسبوع الماضي - عدد من أعضاء الكونغرس، التقوا بقيادات سياسية ودينية، وقبيل مغادرتهم قابلتهم مع عدد من البرلمانيين السابقين من التيار الليبرالي. أشبع الحاضرون أعضاء الكونغرس نقدا وتقريعا نظرا للموقف الأميركي المتحفظ من حركة 30 يونيو (حزيران)، والمؤيد للإخوان المسلمين، هكذا تبدو الصورة للمواطن العادي بل وللساسة أنفسهم.
أحد أعضاء الكونغرس ذكر أن هذا ليس صحيحا في مجمله. السؤال الذي ظل يراود الدوائر السياسية الأميركية: {هل هذه ثورة أم انقلاب عسكري}؟ ما حدث في مصر كان يحتاج إلى بعض الوقت لفهمه نظرا لأنه لم يحدث على هذا النحو من قبل: انتفاضة شعبية مدعومة من الجيش. لم يكن الجيش من تحرك أولا بل الناس، وبالتالي فهو ليس انقلابا بالمعنى الكلاسيكي الذي نعرفه. وذكر أن الشعب الأميركي ينبغي أن يحترم خيار الشعب المصري في هذا الشأن.
وأشار عضو آخر إلى أن الولايات المتحدة تريد أن يكون هناك نظام سياسي يستوعب كل ألوان الطيف السياسي، ولا تريد إقصاء أحد، فرد أحد المشاركين قائلا: هل لو ترك الحزب الديمقراطي السلطة في الولايات المتحدة هل يمكن أن يحمل السلاح، ويفجر منشآت، ويقتل أبرياء حتى يعود للسلطة؟ فلماذا لا نتبع الأمر ذاته مع بعض الإسلاميين الذين يلجأون إلى الإرهاب والعنف؟
كرة «البنغ بونغ» كانت تذهب وتجيء خلال النقاشات بين الجانبين، ولكن بدا واضحا أن هناك فهما أوسع الآن لما يحدث في مصر في دوائر السلطة الأميركية، والمسألة التي تؤرقهم هي مستقبل الإسلاميين خاصة، وما هي عوامل الاستقرار في مصر عامة؟
في المشهد المصري العام يبدو الاقتصاد عنصرا أساسيا في المعادلة. في رأيهم، وهذا صحيح، فالناس خرجت إلى الشارع ضد حكم الإخوان المسلمين ليس فقط لفشلهم السياسي، ولكن للأهم فشلهم الاقتصادي والاجتماعي، وبالتالي يمكن أن يخرج الناس مرة ومرات ضد الحكومة.
المبدأ صحيح، ولكن هناك مسائل تحتاج إلى نقاش. لم يخرج الإخوان المسلمون عن الطريق الاقتصادي لنظام مبارك، ولم يتنبهوا إلى حركة المجتمع، الأمر الذي جعل سياساتهم الرأسمالية ترتطم بشجون مجتمع انتفض في 25 يناير (كانون الثاني) 2011 بحثا عن «العدالة الاجتماعية».
تقتضي السياسات الاقتصادية للثورة توجها مختلفا عن نظامي مبارك ومرسي. المسألة ليست فقط الانتصار للفقراء، أو حتى رد الاعتبار للطبقة الوسطى الجريحة التي انتفضت مرتين في 25 يناير 2011 وفي 30 يونيو 2013، قنوطا من وضعها المتدهور، وقلقا على مستقبل قد يحمل أوضاعا أكثر تدهورا.
المطلوب سياسات تقوم على توزيع عادل للثروة القومية، تسمح بانطلاق الطاقات الإنتاجية، توفر حدا أدنى وأقصى للأجور، تدعم الشفافية وتواجه الاحتكار والفساد.. منظومة متكاملة تقود، مثلما حدث في بعض دول أميركا اللاتينية، إلى وضع اقتصادي أفضل، تمدد في الطبقة الوسطى، عماد المجتمع، وانكماش الفقر والفقراء... إلخ. ينبغي أن تبدأ الحكومة الآن في المسار الاقتصادي المتفق مع روح ما حدث في 30 يونيو، ولا تنشغل فقط بالمسائل السياسية التي في النهاية لا تهم القطاع العريض من المجتمع الذي أرهقه توقف عجلة الحياة على مدار أكثر من ثلاثين شهرا، ويريد أن يستعيد المجتمع الطبيعي.
الحكومة الحالية برئاسة الببلاوي، أكثر حظا من الحكومات السابقة، لأنها تعمل وسط دعم خليجي، وبالأخص من السعودية، على نحو غير مسبوق، يوفر لها غطاء ماليا، ودعما سياسيا، ومساندة شعبية، وهو ما يفرض عليها أن تتحرك بشكل مختلف، تضع سياسات تتناسب مع التطلعات الشعبية، وتتجاوز المشكلات الصغيرة التي يمكن أن تغرق فيها على حساب النظرة الكلية، من دون أن يمنع ذلك من اتخاذ حزمة من القرارات السريعة المباشرة التي تبعث بالارتياح لقطاع عريض من المواطنين.
مهما كانت التحديات السياسية، فإن الامتحان الحقيقي الآن وغدا اقتصادي في الأساس.