عمر أنهون
TT

الغذاء والوظائف عنصران مهمان لاستقرار أفغانستان

لا تزال سيطرة طالبان على أفغانستان تتصدر جدول الأعمال في الشؤون العالمية. إن وجود الولايات المتحدة والناتو في أفغانستان منذ 2011 قد انتهى بالفشل. والآن، ليس هناك سوى الانتظار.
الولايات المتحدة فشلت فشلاً كبيراً. وانتقد رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير قرار الرئيس بايدن هذا بينما الرئيس بايدن يدافع عن قراره وسياساته، لكن لا يقتنع الكثيرون بذلك. وتحاول إدارة بايدن الآن الحد من الأضرار في مواجهة الانتقادات الشديدة. وتشدد على أن الأفغان بحاجة إلى تحمل مسؤولية شؤونهم الخاصة. ومن ناحية أخرى يحاول الأميركيون بناء قصة نجاح من خلال إجلاء الرعايا والأصدقاء من المواطنين الأفغان. والواقع أن العديد من البلدان الأخرى يفعل الشيء نفسه.
لقد كان أداء حلف الناتو رديئاً. وقد أسفرت الجهود المشتركة هذه المرة عن فشل مشترك. ولا شك أن ما حدث في أفغانستان سوف يشكل حالة كبرى يفرض على أعضاء حلف الناتو تحمل المناقشات المؤلمة بشأنها أثناء المداولات بشأن «الناتو 2030» والمفهوم الاستراتيجي الجديد.
طالبان تسيطر مجدداً على أفغانستان بعد 20 عاماً. وهم ربما يحاولون تقديم صورة أكثر نعومة. ويبدو أنهم يعملون على ضبط النفس نسبياً في كابل. إن الناس الذين توقعوا عودة حركة طالبان على غرار الخمير الحمر، لم يروا ذلك، على الأقل حتى الآن. لكن حكم طالبان في 1996 - 2001 يعيد إلى الأذهان ذكريات مؤسفة، وهذا هو السبب وراء تلك الصور المريعة لمطار كابل.
يحاول آلاف الأفغان الفرار، ويجري ذلك على خلفية الموعد النهائي الذي حددته حركة طالبان في 31 أغسطس (آب)، حيث أعلنت أن أي وجود لقوات أجنبية بعد هذا التاريخ سيعتبر احتلالاً أجنبياً.
ويبدو أن الإمارات وقطر قد أصبحتا مركزين رئيسيين في جهود الإجلاء. ويبذل الدبلوماسيون الأميركيون الجهود في بلدان مختلفة للحصول على المساعدة في شكل غرفة الانتظار حتى اكتمال الإجراءات الرسمية المتعلقة بتأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة أو غيرها من البلدان المضيفة المحتملة.
وقد قبلت بالفعل أكثر من عشر دول أو أكثر مثل ألبانيا، والمكسيك، وأوغندا، وبولندا المشاركة. وفي كل الأحوال فإن كل ما يحدث الآن محير إلى حد كبير.
هناك قلق حقيقي لدى المجتمع الدولي من موجة جديدة ومستمرة من اللاجئين تتحرك إلى كل الاتجاهات. إن صور وقصص الأفغان وهم يسقطون من الطائرات، والأطفال الذين تم تسليمهم إلى الغرباء فوق السياج، وإجلاء عشرات الفتيات وأعضاء فريق الروبوتات الأفغاني الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و18 عاماً يبعث على القلق.
إن الصين وروسيا لديهما سبل مختلفة للنظر إلى المشاكل. لقد أوضحتا بطريقتهما الخاصة أنهما لن تكون لديهما أي أفغان لاجئين. ومن جانبهم، فالمسألة تتعلق بعدم إبرام الوعود وعدم الحنث بها.
ولا تستطيع باكستان أن تفعل الكثير، وعليها أن تتعايش مع الوضع.
وحتى وقت قريب، كانت إيران التي يقال إنها تضم نحو 3 ملايين أفغاني على أراضيها، أكثر استرخاء، وحتى إنها قدمت المساعدة للأفغان الذين يتوجهون غرباً نحو تركيا والاتحاد الأوروبي. والآن يبدو الأمر كأنهم يحرسون حدودهم الشرقية بقدر أعظم من الحرص.
قد يكون تغير الموقف الإيراني راجعاً للتطورات لدى جارتها الغربية، تركيا. التي تستضيف بالفعل ما لا يقل عن 3.5 مليون لاجئ سوري، ونحو نصف مليون أفغاني. (يبلغ إجمالي عدد الأفغان المحتجزين في تركيا منذ عام 2014، الذين دخلوا بصورة غير شرعية، نحو 514.212 شخصاً، ولم تتم إعادة سوى عدد قليل منهم إلى أوطانهم).
لقد تحولت القضية الآن إلى مسألة سياسية داخلية في تركيا. وشهد أحد أحياء أنقرة أعمال شغب الأسبوع الماضي عندما طعن لاجئ سوري مراهقاً تركياً حتى الموت. وتعرضت المتاجر والمنازل المملوكة للسوريين للهجوم. ويواجه الرئيس إردوغان وحكومته انتقادات شديدة، حتى من قبل بعض أنصار حزب العدالة والتنمية، لأنهم سمحوا للعديد منهم بدخول تركيا.
وتحت الضغوط الشعبية، بما في ذلك من داخل صفوفها، صرح الرئيس التركي بأن تركيا لا تستطيع التعامل مع المزيد من اللاجئين. إردوغان أجرى محادثات هاتفية مع العديد من نظرائه بمن في ذلك شارل ميشيل من الاتحاد الأوروبي، وبوريس جونسون من المملكة المتحدة، وأنجيلا ميركل من ألمانيا، وفلاديمير بوتين من روسيا، وكيرياكوس ميتكوتاكيس من اليونان. (بايدن، والرئيس الإيراني هما اسمان رئيسيان مفقودان من القائمة).
وكان الموضوع المشترك لهذه الدعوات هو الحذر من موجة جديدة من المهاجرين وحتمية التعاون.
وبالتوازي مع هذه الخطوات الدبلوماسية، يجري العمل في تركيا لإقامة حواجز إسمنتية على طول الحدود التركية الإيرانية التي يبلغ طولها 560 كيلومتراً.
وقد شُيد جزء من الجدار بالفعل. وسوف يتم تجهيزه بنظم مراقبة إلكترونية، وتديره قوات إضافية. كما تعمل اليونان على بناء الحواجز المماثلة على حدودها مع تركيا.
ولكن الجدران قد لا تكون كافية. فالتعاطف والتعاون مطلوبان.
وفي فبراير (شباط) 2020، أعلنت تركيا أنها لن توقف الأجانب الذين يسعون إلى العبور إلى أوروبا عبر اليونان.
وهرع السوريون والعديد من الجنسيات الأخرى، ومعظمهم من الأفغان، إلى الحدود التركية - اليونانية. وأدى هذا الحدث إلى توتر آخر في العلاقات بين تركيا واليونان وبين تركيا والاتحاد الأوروبي. حتى إن الاتحاد الأوروبي يوجه الانتقادات إلى عمليات الدفع والتكتيكات التي يتبناها حرس الحدود اليونانيون.
ولكن من الواضح أن الأولوية بالنسبة للاتحاد الأوروبي تتمثل في حماية «حصن أوروبا» وإبقاء اللاجئين في أي مكان، باستثناء أراضيه.
الجميع يدعو إلى الحذر والعمل لكنهم جميعاً يريدون القيام بذلك على أراضي الطرف الآخر، فيما يطلقون عليه مسمى «التخارج».
وقد دعت مفوضية الأمم المتحدة للاجئين المجتمع الدولي لأن يكون على دراية بحالة الشعب الأفغاني. وهذا نداء منصف وفي الوقت المناسب،
ولكن لا ينبغي أن يعتبر «نداء افتح أبوابك»، بل إنها دعوة إلى بذل جهود مشتركة وإلى أن يتحمل كل بلد نصيبه العادل من المسؤولية.
إن حل المشكلة يكمن في المنبع، كما هو الحال مع السوريين.
وفي النهاية، فإن الأمر برمته يتعلق بالبقاء والظروف المناسبة للبقاء على قيد الحياة. أولاً وقبل كل شيء، ما إذا كانت طالبان قد تغيرت أم لا. البعض يرى أنهم تغيروا، أو على الأقل يأملون في ذلك. وآخرون يقولون، لا سبيل لذلك أبداً.
وما لم تتغير حركة طالبان فإن الكثير من الأفغان ربما سوف لا يشعرون بعدم الأمان، وسوف يكونون دوماً متربصين الفرص للمغادرة.
وبصرف النظر عن السلامة والأمن، سوف يحتاج الأفغان إلى الغذاء والوظائف.
وإذا لم يتحقق هذا، فإن موجات مستمرة من الأفغان سوف تواصل الفرار.
وسوف يظل العالم شاهداً على المزيد من المآسي الإنسانية.
* سفير تركي سابق وعضو مجلس «مركز أنقرة للسياسة»