روس دوثات
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

الحرب التي شكّلت عالمنا

منذ نحو مائتين وستين عاماً تم تقطيع رتل من الجنود البريطانيين النظاميين بقيادة الجنرال إدوارد برادوك إلى أشلاء على أيدي جنود فرنسيين وحلفائهم من السكان الأصليين الأميركيين على أطراف موقع مدينة بيتسبرغ حالياً. وتحولت الهزيمة إلى اضطراب حين أُردي برادوك ليسقط من على صهوة حصانه مما جعل عملية الانسحاب تتم بقيادة ضابط شاب يُدعى جورج واشنطن.
وكانت تلك هي بداية الحرب الفرنسية والهندية (حرب السنوات السبع)، وكنت أعتقد حين كنت طفلاً أنها الحرب الأكثر إثارة في التاريخ.
بالعودة إلى خمسينات القرن الثامن عشر كقارئ بالغ للتاريخ، وككاتب عمود يحاول تقديم أفكار بناءة عن الحروب التي شهدها التاريخ في المناهج الدراسية، أعتقد أن شخصيتي خلال مرحلة طفولتي كانت سليمة. لم تكن الحرب التي أسفرت عن جلاء الفرنسيين عن أميركا الشمالية مذهلة فحسب، بل واحدة من أهم الحروب على مدار التاريخ. وهذا صحيح بالفعل، فوفقاً لإحدى وجهات النظر، كانت تلك الحرب أهم من حرب الاستقلال الأميركية، فقد حددت الثورة الشكل الذي ستمتد من خلاله أميركا الإنجليزية لتحتوي إمبراطورية تتسع على مساحة قارة، وقوة عالمية.
كطفل أميركي وطني، أدعم بطبيعة الحال الاستعماريين البريطانيين والأميركيين، منذ بداية انتكاساتهم على أيدي مونتكالم والقادة الفرنسيين الماكرين الآخرين حتى غزوهم الناجح الذي تكلل بالنصر لفرنسا الجديدة.
كبالغ يقرأ كتباً مثل «بوتقة الحرب» لفريد أندرسون، أو «المستعمرات الأميركية» لآلان تايلور، من السهل أن ينتهي الحال إلى التعبير عن دعم الفرنسيين. أولاً لأنهم كانوا مستضعفين بشكل واضح، حيث كان عدد سكان فرنسا الجديدة يبلغ أقل من 15 مثلاً سكان المستعمرات الثلاث عشرة، وكان يتم فصلها وعزلها باستمرار عن أرض الوطن من جانب سلاح البحرية البريطانية.
مع ذلك نظراً لأن الإمبراطورية الفرنسية في أميركا الشمالية كانت تمثل نموذجاً استثنائياً للاستعمار الأوروبي، أسهم تعداد السكان الصغير المتشرذم، والمناخ القاسي، ورؤية شخصيات عامة مثل صمويل دو شامبلان، في وجود علاقة أكثر وداً مع سكان أميركا الأصليين مقارنةً بالعلاقة التي كانت موجودة في المستعمرات الإنجليزية.
لذا ربما كان ليصبح عالم يتمسك فيه الفرنسيون بشكلٍ ما بأرضهم أكثر كاثوليكية، وهو أمر جيد، مع توافر قدر أكبر من احتمالات حدوث تأثير أصيل وقوة وبقاء مقارنةً بالعالم الذي تفوز فيه إنجلترا بالقارة ببساطة. هناك لحظة محزنة للغاية في نهاية كتاب «بوتقة الحرب» لأندرسون عندما بدأت قبائل البحيرات العظمى ووادي نهر أوهايو تحت قيادة بونتياك، زعيم قبيلة أوتاوا، مواجهة البريطانيين بعد انسحاب الفرنسيين من أميركا الشمالية بفترة قصيرة. وتصور البريطانيون وجود عناصر من الفرنسيين في الجوار يثيرون المشكلات والاضطرابات، لكن الحقيقة هي أن السكان الأصليين لأميركا كانوا يرون وجود علاقة تربطهم بملك فرنسا، ويتصورون أن حربهم قد تساعد في عودة فرنسا لمساعدتهم.
بمجرد إدراك المرء لكُنْه ونوع التعقيد التاريخي العميق، يمكن السير في اتجاهين. سنجد في الاتجاه الأول شكلاً من أشكال الانتقاد اللاذع لكل جانب من جوانب الماضي تقريباً. ربما يتم النظر إلى الفرنسيين بوصفهم شكلاً أكثر وداعة ورقّة للاستعمار، لكنهم كانوا يسعون وراء مصلحتهم الذاتية كتجار جشعين. وربما قامت مستعمرات نيو إنغلاند بدور تنويري رائد يروّج لشكل مبهر من أشكال الديمقراطية.
إن الوطنية شكل من أشكال الامتنان للأمور الجيدة التي أصبحت تجسدها الجمهورية الأميركية في نهاية المطاف، وهي المساواة والحرية والرخاء لجميع الناس، ثم نشر هذه المبادئ الجيدة تدريجياً بين الناس الذين عانوا من الاستعباد والتهميش.