د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

حرمة الحديث عن الرواتب

دخلت الإعلامية الأميركية اللامعة أوبرا وينفري على مديرها، وهي في العشرينات من عمرها، لتطلب منه بأدب جم أن تحظى بزيادة في الراتب أسوة بزميلها الذي يقدم معها البرنامج نفسه. كانت المفاجأة حينما قال مديرها: ولماذا تعتقدين أنك تستحقين راتباً أعلى؟ هذا الرجل متزوج ولديه التزامات أسرية أكثر منك. هنا صدمت أوبرا وقررت التوقف عن الجدل، وانسحبت، ثم تقدمت باستقالتها. كانت مبرراتها التي ساقتها في كتابها الجميل «ما أعرفه على وجه اليقين» أنه إذا كان الآخر لا يقدر قيمتك، فكيف يمكن أن تقنعه بخلاف ذلك.
وشقت الشابة السمراء طريقها نحو النجومية، وبلغ دخلها لاحقاً مئات الملايين من الدولارات، وكان أجرها من برنامج «أوبرا شو» من الأعلى في العالم. ما عانته أوبرا قبل ذلك النعيم هو تفاوت الأجور بين الجنسين والنتيجة الطبيعية لسياسة سرية الرواتب. وهذا السبب نفسه الذي دفع شركة إلى توبيخ موظفة أميركية أفشت مقدار الراتب لزميلتها التي كانت تعتزم التقدم إلى تلك الوظيفة كمرشحة قادمة من الخارج، فأخبرتها الموظفة بحسن نية. غير أنها أثرت على الموقف التفاوضي لشركتها «بتسريب» تلك المعلومة.
هذه المواقف هي مؤشرات صريحة على أن هناك عدم عدالة في توزيع الأجور، تدعمها الإحصاءات الدولية، ولذا تغلف تلك الجهات «سياسة الكتمان» بدواعي السرية! غير أن واقع الحال يشير إلى أن العالم كله يعاني من فجوة رواتب بين الجنسين. فقد ذكر تقرير معهد أبحاث السياسات النسائية أن الدراسات تشير إلى أن «البيئات التي توجد فيها سرية الأجور بشكل أقل، تكون الفجوة في الأجور بين الموظفين الذكور أصحاب البشرة البيضاء وأي شخص آخر أقل». إذن سياسة التحريم والتكتم لن تحل مشكلة قائمة، حسب «بي بي سي».
كما أنه في شتى الوظائف هناك جدول للرواتب تتراوح فيه المبالغ في كل درجة وظيفية. وقد ترأست لجاناً عدة في تعيين القياديين والإدارة المتوسطة وكنا نضع مرغمين سلم الرواتب نصب أعيننا، ويحاول بعضنا إقناع المرشح براتب متدنٍ جداً غير أنني أميل للاعتقاد بأن الفرد إذا علم بأنه يتقاضى راتباً أدنى من السوق أو مما يستحقه في اللوائح، فإنه قد يغادرنا لاحقاً في ذروة حاجتنا له، حينها لا تفيد «الزيادات الترقيعية».
ولا تكمن مشكلة تحريم الحديث عن الرواتب، في خصوصيتها فحسب، بل في أنها تخفي حقيقة السياسة الخفية التي تنتهجها المؤسسة. فبعد دراسة السوق أو الدول لنظرائها يصبح أمام متخذي القرار ثلاثة خيارات: إما اعتماد سياسة «تفوق» رواتب وحوافز المنافسين، وإما «تقابلهم»، أو أن تقرر البقاء «خلف ركب المنافسين» (شركات أو جهات عامة)، وذلك إذا ما ثبت أن معدل الرواتب يفوق نظراءهم. هذه كلها أسباب تدفع الجهات إلى تحريم الحديث عن الرواتب. لكن هذا المنع يظهر أن خللاً ما تحاول الجهات إخفاءه، ولن يحل حجب المعلومة تلك المشكلة.