تيلر كوين
TT

ثورة العملات المشفرة لن تكون عامة

إن ثورة 13 يوليو (تموز) الجاري معلقة بالتمويل، وها قد بدأ العالم للتو يدرك التحولات التي من المحتمل أن تحدثها، حيث سيتعين على المؤسسات المالية أن تتخذ نهجاً مختلفاً تماماً لتكنولوجيا المعلومات لمجرد البقاء في سوق العمل.
تخطط شركة «لويش غلوبال»، وهي شركة تشفير، للاكتتاب العام في العام الجاري، بتقييم متوقع قدره 9 مليارات دولار، فيما تخطط شركة «سيركل إنترنت فاينانشيال إنك»، الشركة التي تقف وراء العملة المستقرة، للإدراج في البورصة العامة، كما هو الحال مع منصة العملات المشفرة «باكت هولدنغز». من الصعب التنبؤ بالأسواق المالية، ولكن في هذه المرحلة، وبعد 12 عاماً من تدشين «بيتكوين»، من الصعب القول إن كل ما يجري مجرد فقاعة.
لفهم السبب، اسأل نفسك سؤالاً بسيطاً: لماذا لا يكون التمويل والدفعات بنفس سهولة إرسال بريد إلكتروني؟ ربما يعتقد أي شخص نشأ على ألعاب الكومبيوتر والمراسلة النصية أن إدارة نظام مالي يجب أن تكون خالية من الاحتكاك وزهيدة التكلفة، خاصة إذا كانت هناك عملة رقمية ناضجة للبنك المركزي. فلا يوجد سبب يمنع تحويل الأموال من خلال عملية تواصل بسيطة.
نظراً لوجود مبلغ كبير من المال على المحك، يجب أن تكون هناك مستويات أعلى من الأمان مقارنة بالبريد الإلكتروني. ولكنّ مزيجاً من أجهزة الفحص الحيوي والتفويض المتعدد العوامل وأمن الأجهزة (تحتاج إلى أكثر من كلمة مرور) يجب أن يكون كافياً، ولا ينبغي أن تكلف هذه الإجراءات الوقائية الكثير بمجرد وضعها.
تتمثل إحدى الرؤى في أن الحكومات والبنوك المركزية ستدير هذه الأنظمة، مما يجعل الحكومات والبنوك المركزية أكثر أهمية في التمويل. بالنسبة للعديد من المؤسسات، لن تكون هناك حاجة للمصارف الخاصة للوصول إلى نظام المدفوعات، وبالتالي سيتقلص دور البنوك الخاصة. وبدوره سيكون لدى البنك المركزي المزيد من الأموال لنشرها، وسيطبق حتماً قدراً من السلطة التقديرية على تلك الأموال.
إذا كان دور الحكومة أن يتوسع، وإذا كانت البنوك الخاصة ستعاني، فسيؤدي ذلك إلى خلق قضايا مهمة من النوع الذي غالباً ما لا يكون النظام السياسي الأميركي جيداً في حلها. وقد أوضح مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أنه لن ينشئ عملة رقمية بدون موافقة الكونغرس، لكن الكونغرس معروف بكونه بطيئاً أو حتى غير قادر على التصرف، خاصة في القضايا المتعلقة بدور الحكومة في الاقتصاد.
وهذه الخلافات ليست حزبية بحتة. فبالنظر إلى سجل الحكومة مع التكنولوجيا - هل تتذكر الإصدار الفاشل لموقع «أوباما كير»؟ هل يمكننا التأكد من أن العملة الرقمية للبنك المركزي ستكون مقاومة للاختراق وتعمل بشكل جيد منذ البداية؟
في خطاب صريح لكنه جذري الشهر الماضي حول العملات المستقرة، جادل محافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي، راندال كوارلز، بأن أنظمة المدفوعات الحالية تتضمن بالفعل قدراً كبيراً من تكنولوجيا المعلومات، وهي تتحسن بسرعة. المعنى الضمني هو أن العملة الرقمية للبنك المركزي، أو CBDC، هي حل للبحث عن مشكلة.
اقترح كوارلز أيضاً أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يتسامح مع العملات المستقرة، تماماً كما تعايشت البنوك المركزية وازدهرت بالفعل مع العديد من ابتكارات القطاع الخاص الأخرى. يمكن أن تكون العملات المستقرة بمثابة تجربة للقطاع الخاص لمعرفة ما إذا كان الأفراد والمؤسسات يرغبون حقاً في نظام مدفوعات مختلف تماماً، وفي هذه الحالة يعتمد على العملات المشفرة و«قواعد البيانات المتسلسلة»، أو «بلوكشين». إذا حدث ذلك، يمكن للنظام أن يتطور من خلال تحويل بعض المعاملات وليس كلها إلى عملة مستقرة.
ليست هناك حاجة إلى أي تحديد تاريخ معين لـ«افعل أو مُت» لانتقال يتطلب أداءً مثالياً لعملة البنك المركزي الرقمية. ولكن بقدر ما يمكن لتلك العملات المستقرة تحقيق الأساليب البسيطة جداً لتحويل الأموال الموضحة أعلاه، سيستمر المشاركون في السوق في استخدامها أكثر.
جادل كوارلز بأنه من خلال التنظيم المناسب ولكن غير الاستثنائي لمصدري العملات المستقرة، يمكن أن يثبت مثل هذا النظام أنه مستقر بالفعل. حتى أنه يبدو أنه يفضل البديل الخاص بالقطاع الخاص، وهو ما تمثل في قوله: «يبدو لي أنه كان هناك ابتكار كبير من القطاع الخاص في صناعة المدفوعات بدون عملة رقمية للبنك المركزي، ومن المتصور أن بنك الاحتياطي الفيدرالي، قد يردع ابتكار القطاع الخاص من خلال «احتلال المجال» بشكل فعال.
من حيث الجوهر، فإن كوارلز مستعد للتسامح مع نظام تصبح فيه مكافئات الدولار الصادرة من القطاع الخاص وسيلة رئيسية لإتمام المدفوعات خارج المؤسسات التقليدية للاحتياطي الفيدرالي. ومن المفترض أن يتم استخدام متطلبات رأس المال لضمان الملاءة المالية.
بالنسبة للعديد من المتفرجين، فحتى سماع فكرة الابتكار في التمويل يثير مخاوف بشأن المخاطر النظامية. ولكن ربما يكون أداء الولايات المتحدة أفضل من خلال السماح لتكنولوجيا المعلومات بالتقدم بدلاً من محاولة إغلاقها. وإذا كنت تخشى عدم الاستقرار، فهل أنت حريص حقاً على رؤية العملات الرقمية للبنك المركزي الأجنبي تملأ هذه المساحة؟
إذا كنت لا تزال متشككاً، فاسأل نفسك سؤالين أخيرين: أولاً، أيهما أكثر إبداعاً في هذه القضايا.. القطاع الخاص أم القطاع العام؟ ثانياً، ما مدى واقعية احتمالات أن يتخذ الكونغرس أي إجراء فعال على الإطلاق؟
لقد أصبح العالم الآن مكاناً يجري فيه إنتاج واستهلاك أفكار نقدية جذرية مثلما نتناول رقائق البطاطس.

* بالاتفاق مع «بلومبرغ»