مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

المال... وسخ الدنيا أم بهجتها؟

رغم أن (القناعة كنز لا يفنى) مثلما يقولون، غير أن المال ثم المال ثم المال هو ما يتهافت عليه البشر ويتصارعون، ولو أنكم بحثتم عن أسباب الحروب والدعوات والنظريات والفلسفات والقوانين والمحاكم والسجون، فابحثوا فقط ما بين تلافيفها عن (المال)، فلولاه ما كان الظلم ولا العدل، ولا كانت السعادة والشقاء.
إن من يعارض هذا المنطق ويقول: إن المال هو: (وسخ الدنيا)، هو من يتمتم بينه وبين نفسه مثلما أتمتم أنا الآن وأقول: (تف عليك حامضه).
ومما ذكرته لنا المصادر التاريخية أن (قارون) ملك ليديا، الذي حكم في منتصف القرن السادس قبل الميلاد كان هو أغنى ملوك العالم قديماً، غير أنكم سوف تتعجبون عندما نقضت مجلة «التايم» الأميركية هذه المعلومة، وأفادت: بأن أغنى رجل عرفته البشرية هو (مانسا موسى) ملك (تيمبوكتو) الذي عاش في الفترة بين عامي 1280 و1337، حيث إن مملكته التي تقع في (مالي) حالياً، كانت أكبر منتج للذهب في ذلك الوقت، وكان هو المستهدف من البشرية جمعاء.
ولكن دعونا من العالم القديم بخيره وشره، لنتحدث عن ملياردير سابق وسمسار شهير في بورصات أميركا، فعندما تحول إلى شحاذ في شوارع نيويورك، لا يجد حتى أين يسند رأسه، لينام على أرصفة الشوارع، وهو الذي كان يحرك الرساميل ويغرق في عيش رغد يسيل له اللعاب ويثير الحسد، وهو يدعى: (جوردان بافورت).
وما أن ذكرت اسم (بافورت) لأحد الأصدقاء، حتى صاح وأقسم أن أصوله حضرمية، فقلت له وأنا أبتسم: يعني ما هو بعيد عن الرئيس (بايدن) فكلاهما من تلك الأصول.
المهم أن (جوردان) المعروف بمحتال البورصات الأميركية، تم تصويره عندما كان من أشهر أصحاب الملايين وأشدهم ذكاء، وكان يتجول بأغلى السيارات ويملك أغلى الشقق في منهاتن بنيويورك، وكان مرغوباً من بنوك وشركات تستثمر في الأسهم، وتغريه بأي أتعاب يطلبها ليعمل لصالحها، لكنه فجأة اختفى وأصبح وكأنه لم يكن، إلى أن تعرفت إليه أخيراً صحيفة (نيويورك بيت) وصورته عندما (جاب الزمان مناخيره بالأرض)، وشاهده صدفة محرر الصحيفة في صور عرضتها إحدى الجمعيات التي تعتني بالمشردين، فتعرف إلى هويته، حيث وجدوه نائماً على قارعة الطريق، مستخدماً حقيبة جلدية طواها ليجعلها وسادة تحت رأسه، مع صورة ثانية في الحديقة تعكس الحالة البائسة لمن كان ثرياً وأصبح فقيراً، ووجدتها مناسبة لتجعل من قصته درساً (لمن يطلب الحاجة فإذا ظفر بها أضاعها) وفق التعبير الوارد بإحدى قصص (كليلة ودمنة).