ليونيل لورانت
كاتب من خدمة «بلومبيرغ»
TT

المجرمون ودهاليز الإنترنت

أظهرت جائحة «كوفيد - 19» جانبين للتقدم التكنولوجي. هناك الجانب الإيجابي المتمثل في تقديم لقاحات آمنة وفعالة في وقت قياسي ساعدت فيه الاقتصادات باستخدام أدوات جديدة للبقاء في المنزل عبر الإنترنت وتحسين مراقبة الأمراض والصحة العامة، وهناك الجانب السلبي المتمثل في حملات التضليل التي تقوم بها الجهات الفاعلة الخبيثة والأنظمة الاستبدادية، والقرصنة وزيادة هجمات برامج الفدية والاحتيال.
لقد جرى التحذير من التهديدات السيبرانية على مدار العام الماضي، لكنّ حجم المشكلة ومدى انتشارها وصلا إلى آفاق جديدة، حيث اتهمت الولايات المتحدة وأوروبا الصين وروسيا بتكثيف حرب المعلومات، من نظريات المؤامرة الخاصة بفيروس «كوفيد» إلى المعلومات المضللة حول اللقاحات.
ليس هناك حل سهل، فروسيا، على سبيل المثال، تركت دولاً مثل المملكة المتحدة غاضبة، لأنها فشلت في ملاحقة مجرمي الإنترنت في أراضيها.
شجع دفع موسكو وبكين «السيادة» الرقمية على انتعاش الأنظمة الاستبدادية، كما رأينا منذ فترة في إجبار بيلاروسيا المفاجئ لطائرة «رايان إير» على الهبوط. وتكمن جذور هذه الأزمة في نشوب حرب المعلومات.
هناك نوع من التصعيد. ففي الأسابيع الماضية، وبعد أيام فقط من قيام الأجهزة الأمنية الروسية باعتقال اثنين من بيلاروسيا واتهامهما بالتخطيط لانتفاضة، قالت مينسك إنها أحبطت «انقلاباً» نوقش على تطبيق مؤتمرات الفيديو «زووم». وقد حظرت السلطات البيلاروسية مواقع الويب، وقيّدت الوصول إلى الإنترنت منذ إعادة انتخاب لوكاشينكو المثير للجدل على نطاق واسع في أغسطس (آب). (رأى الاتحاد الأوروبي أنها ليست حرة ولا نزيهة)، وعبّر أنصاره في الكرملين عن دعمهم.
ترسل عملية «اختطاف الطائرة» رسالة مفادها أن منتقدي مينسك على الإنترنت ليسوا آمنين في أي مكان، حتى في المنفى، وهو ما يتناسب تماماً مع عقلية الحصار المستمرة للوكاشينكو، وهو يشعل خطر الحرب «الهجينة» عبر الإنترنت وغير المتصلة بالإنترنت التي يُفترض أن يشنها الغرب.
تقول كاتيا جلود، مستشارة المخاطر السياسية، إن وسائل الإعلام المستقلة بحاجة إلى دعم للرد على الغرامات المستمرة، لمواجهة المعلومات المضللة وإطلاق مواقع ويب بديلة.
من شأن مزيد من الموارد لتحسين محو الأمية الرقمية أن يساعد أيضاً، حيث تقول الصحافية حنا ليوباكوفا إن وسائل الإعلام المستقلة ستستفيد من مزيد من الأدوات لمكافحة الرقابة، عبر الشبكات الخاصة الافتراضية، وعكس المواقع الإلكترونية -وهي طريقة لنسخ المحتوى عبر خادم واسم مجال مختلفين للتحايل على الحجب.
يتعين على الغرب أيضاً بذل جهد أوسع لتقويض الجهات الفاعلة الخبيثة عبر الإنترنت مع مساعدة الأطراف الفاضلة، وهو ما يعني الحرص بشكل أفضل على ضمان تصدير تكنولوجيا المراقبة للدول.
قامت حكومة لوكاشينكو بحجب كثير من مواقع الإنترنت خلال الاحتجاجات الصيف الماضي بمساعدة التكنولوجيا التي تقدمها شركة «ساندفاين إنك» ومقرها الولايات المتحدة. في النهاية ألغت الشركة صفقتها مع بيلاروسيا، لكن بعد أن أبلغت «بلومبرغ نيوز» عن ذلك.
يجب أيضاً تسمية مجرمي الإنترنت المشتبه بهم وفضحهم والتهديد بالانتقام من الدول التي ترفض باستمرار معاقبتهم. يجب أن يضخ مزيد من الموارد في مراقبة أسواق الشبكة المظلمة المجهولة، حيث يزدهر تجار الجريمة والنصب بدعوى علاج «كوفيد»، التي جرى تفعيلها من خلال العملات المشفرة ذات الأسماء المستعارة.
لن تكون هذه معركة «كل شيء أو لا شيء» بين الخصوصية والأمان، حيث تحجم الولايات المتحدة وأوروبا عن السماح للسوق بتحديد المكان الذي تذهب إليه البيانات الخاصة بالمستهلكين.
واحدة من أشهر أدوات مكافحة الرقابة هي شبكة «Tor» المجهولة ذات الاستخدام المزدوج الواضح: فهي تضم أسواقاً إجرامية ونشاطاً مشروعاً يريد الهروب من أعين المتطفلين.
بتمويل تاريخي من الوكالات الحكومية الأميركية، عرض بوتين في عام 2014 أكثر من 100 ألف دولار أميركي كوسيلة لإخفاء هويته للتغلب على المعارضين السياسيين، ورفض عرضه. وأظهر البحث الذي أجراه إريك غاردين من شركة «فيرجينيا تيك» كيف تتجلى فوائد «Tor» بشكل كبير في البلدان التي تعد غير حرة أو حرة جزئياً، بينما تتجمع أضرارها في الدول الديمقراطية.
إذا لم تقم الدول الديمقراطية الليبرالية بصياغة استراتيجية متماسكة تفيد الجهات الفاعلة الجيدة بينما تلحق الضرر بالأشخاص السيئين، فإن الظل الرقمي للوباء سيدوم طويلاً.

* بالاتفاق مع «بلومبرغ»