حتى الترفيه وصلت إليه الوعكة!
الوعكات اليوم كثيرة بحيث لا يمكن إحصاء عددها ولا أشكالها وأنواعها. فالوعكة يمكن أن تأتيك هكذا من دون سبب ومن دون إنذار وبغير معنى. وما عليك سوى ألا تستعد لها على الإطلاق.
فالمفاجأة أنها لا تأتي بعد عمل شاق مثلا، أو عند انتهاء سفر طويل، أو تعرض لبرد، أو تناول طعام سيئ، أو الإصابة بأزمة نفسية. لكن الغريب أنك قد تتوعك وأنت في غاية السعادة ومرتاح البال وتأكل وتنام جيدا وتمارس حياتك بكل حيوية ونشاط، وتعمل أيضا بكل جد واجتهاد!
هل أزيد على عجائب الدنيا السبع أعجوبة جديدة؟
الواقع أنني فوجئت قبل يومين بعالم نفساني ألماني أطلق على الأمراض التي تصيب الموظفين أثناء إجازاتهم اسما لطيفا وهو «وعكة الترفيه»، لكنه في الوقت نفسه يعترف بأنه ليس هناك تشخيص حتى الآن لهذه الوعكة الجديدة في عالم الطب.
فلا أحد يعرف، وليست هناك دراسات أو أبحاث تؤكد أو تشرح ما إذا كان البشر أكثر احتمالا للتعرض لوعكة عندما يكونون في إجازة من أعمالهم مقارنة بتعرضهم لها في الأيام العادية في حياتهم اليومية، أم لا.
وهناك تفسيرات قليلة حول هذا الموضوع لكنها جميعها غير مؤكدة لا علميا ولا طبيا. ويوجد اليوم تفسير يشير إلى أنه عندما نكون في حالة استرخاء وراحة تدخل علينا هرمونات الضغط التي تجعلنا نتكيف مع مواعيد العمل في حالة التوازن، ومن ثم تتركنا عرضة للوعكة.
ويوجد تفسير آخر يرى أن العمل مهما كان شاقا أو مريحا، متعبا أو سهلا، ليس هو المسؤول عن مرضنا، بل المسؤول الأول والأخير هو العطلة نفسها، وهي التي من المفترض أن تعطينا الأمان وتوقف الأمراض عن أجسادنا، وتعطل كل الفيروسات والبكتيريا وغيرها من أن تهاجمنا في لحظات استرخائنا.
غير أن الموظف مسكين جدا اليوم. فحتى الإجازة القصيرة التي ينتزعها من رؤسائه بين فترة وأخرى ويحلم بالمتعة والسعادة والراحة في أيامها تنقلب عليه إلى مواجع وأمراض تأتيه بغير حساب، وكأنها تقول له: أنت حمار شغل، وأنت لا تستحق الإجازة، لا راحة لأمثالك!
لكن لماذا كل هذا الظلم حتى في العيش مطمئنا بإجازة قصيرة؟ الوعكة والمرض لا يعرفان الرحمة ولا الرأفة، فهما كما يقال يؤديان أدوارا في الحياة لا بد منها، بل ومن الضروري وجودها في حياة الناس!
صحيح أن الراحة إذا طالت تولد الكسل والملل، لكنها من المفترض أن تقوم بأدوار أخرى إيجابية في تجديد خلايا الجسم وتنشيط الدورة الدموية وإنعاش الدماغ وغير ذلك.
وفي الإجازة مهما كانت يحصل الإنسان على وقت لنفسه وساعات ليقضيها مع ذاته، وربما يستطيع التأمل في حياته ومراجعة عمره، لكننا حين لا نجد في الراحة أو الإجازة ذواتنا فلن يجدي أن نبحث عنها في مكان آخر، أي لا في إجازة أخرى ولا في سفر ولا في شيء آخر.
وإذا كان المال والشيطان كما يقولون لا راحة لهما، فإن البشر بحاجة إلى راحة كي يستأنفوا الحياة من جديد، ويربكوا جدول أعمالهم المملوء بالمواعيد والاجتماعات والأعمال.
ورغم كل شيء فالحكماء يرون بعد تجارب كثيرة مع الناس أن الراحة لا تأتي إلا مع الجهل، والجهل هو أبو السعادة.
وهكذا فليس المجانين في الدنيا هم وحدهم في نعيم، بل الجهلاء أيضا في نعيم ولكن من حيث لا يعرفون. والمفارقة القاسية اليوم هي أن نكتشف أن الإجازة صارت هي الجحيم!
7:52 دقيقه
TT
وعكة الترفيه!
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة