حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

التأثير والتأثر!

تصرف فردي وتلقائي قام به نجم كرة القدم العالمي الأشهر اليوم، البرتغالي كريستيانو رونالدو، في مؤتمر صحافي بالعاصمة المجرية بودابست، وذلك خلال فعاليات بطولة كأس أوروبا لكرة القدم منذ يومين، عندما قام بإبعاد زجاجتي كوكاكولا (كبرى الشركات العالمية لإنتاج المشروبات الغازية المحلاة وأحد الرعاة الرئيسيين للبطولة) من أمامه، ورفع عبوة مياه معدنية وقال: «اشربوا الماء»، وكان نتيجة هذا الموقف تسونامي كبيراً من التفاعلات على منصات الأخبار المختلفة، فالشخصية بطل الحدث لديه أكثر من عشرين مليون متابع على حسابه في منصة «إنستغرام» وحدها.
ولكن الأمر لم يقتصر على الجانب الإخباري فقط، فلقد وصل تأثير ما حصل إلى الجانب المالي أيضاً، فلقد تراجعت أسهم شركة «كوكاكولا» بشكل عنيف في البورصة المالية. ففي يوم واحد فقط انتقلت قيمة سهم الشركة من مبلغ 56.10 دولار أميركي إلى 55.22 دولار، وذلك خلال ثلاثين دقيقة هي فترة المؤتمر الصحافي المشار إليه، لتفقد الشركة العالمية الكبرى أكثر من 4 مليارات من الدولارات من قيمتها السوقية، أي ما يعادل 1.6 في المائة، ومن الناحية الاقتصادية تحديداً تحولت قيمة الشركة من 242 ملياراً من الدولارات الأميركية إلى 238 ملياراً.
ليكون هذا دليلاً فورياً وعنيفاً على قوة المؤثرين في صياغة توجهات السوق والتأثير عليها بأشكال مختلفة. ويجيء هذا المثال الصارخ ليوضح ويفرق بين صانعي الحدث والمؤثرين (وهو اللفظ الذي استحدث بعد الانتشار الواسع والعريض لمنصات التواصل الاجتماعي لتوصيف الشخصيات الرئيسية في تلك الساحات). فالتأثير الكبير الذي تحوّل إلى ما يشبه تدحرج كرة ثلج من فوق علو عظيم، والذي جاء من قبل نجم الكرة العالمي لم يكن من النوع المتعاقد عليه مسبقاً والمدفوع الثمن لقاء تلك المهمة، على العكس تماماً مما يقوم به «المؤثرون» أنفسهم. وهذا الذي جعل قسم العلاقات العامة في الشركة العالمية الكبرى، التي تمتلك إحدى أهم وأشهر وأكبر العلامات التجارية في العالم، يرتعد بقلق ويتصبب عرقاً بسبب ما حدث وبسرعة فائقة وعلى أيدي إحدى أهم أيقونات النجومية العابرة للثقافات والحدود.
وكأن الحدث بذلك يذكرنا بمن هم المؤثرون حقيقة والقادرون على صناعة الفارق الملموس والقابل للقياس. لذلك كنت دوماً أضحك وأسخر وأنا أتابع النشرات واللوائح والقوائم السنوية للأشخاص الأكثر «تأثيراً» في الشرق الأوسط وتنشرها إحدى المجلات الشهرية في صفحاتها الورقية وعلى موقعها الإلكتروني أيضاً، ويتم توزيع «الجوائز» في احتفالية ضخمة ومهيبة في مدينة عربية جميلة وفي أحد أفخم المنتجعات بها، وذلك بحضور ورعاية شخصية رسمية ومعروفة، ليتبين أن كل ذلك ما هو إلا «مشروع» مدفوع معد بدقة من قبل شركة علاقات عامة تساعدها شركتا دعاية وإعلان وترويج مع شركة تنظيم مناسبات، إذ تم «اصطياد» شركات وشخصيات لسداد رسوم عالية واشتراك في تلك المناسبة مقابل ترشيحهم في القائمة المشار إليها. وهذا التأثير المشار إليه في القائمة هو طبعاً تأثير لم يتم قياسه من قبل طرف ثالث معتمد ومهني ومستقل لتكون نتيجة عمله مانحة للمصداقية والاعتمادية، وبالتالي الجدارة. إنه باختصار النصب الأنيق بشكل جذاب ومغرٍ.
ولعل أهم من كتب عن أهمية التأثير وقوته كان الكاتب الأميركي تاي بينيت، الذي يقول في كتابه الشهير: «قوة التأثير» أن التأثير الذي يستمر في فاعليته هو النابع من مصداقية عميقة ينقلها صاحبها إلى المتلقي فتلقى المصداقية الفورية وتبقى معه. وهناك كتاب آخر لا يقل أهمية عن الكتاب الأول وهو كتاب «القوة والتأثير: كيف تغيرت الأشياء» للكاتب الأميركي روبيرت ديلينشنايدر، الذي ركز فيه على العناصر الرئيسية التي تمنح الناس قوة التأثير الحقيقي وأن قوة التأثير هي مسألة لا يمكن أن تشترى.
التأثير القوي من قبل بعض الأشخاص مسألة واقعية ولا يمكن إنكارها ولا الجدال بشأنها، وتبقى ضرورة وأهمية القدرة على التمييز على نوعية التأثير ومن ثم بعدها فرز وتصنيف المؤثرين، وهذا هو مربط الفرس بكل معنى الكلمة. موقف نجم كرة القدم العالمي كريستيانو رونالدو مع زجاجتي مشروب غازي لكبرى الشركات المنتجة له سيكون بمثابة مكالمة إيقاظ للمحامين وشركات الإعلان والعلاقات العامة لضبط العلاقة بين الرعاة والنجوم، فالخطأ والزلة ثبت أنها باهظة التكلفة.