حسام عيتاني
كاتب وصحافي لبناني لديه عدد من المؤلفات؛ منها: «الفتوحات العربية في روايات المغلوبين»، إضافة إلى ترجمات ومساهمات في دوريات عربية مختلفة. انضم إلى كتّاب «الشرق الأوسط» في عام 2018.
TT

نتنياهو وعضوية نادي «الرجال الأقوياء»

ما زالت الرهانات مرتفعة على السقوط القريب لحكومة بينيت - لابيد بسبب التناقضات الداخلية لأطرافها المكونة من خليط اليمين المتطرف والوسط واليسار وعرب 48. الحكومة التي لا يجمع بين أعضائها غير كراهيتهم متعددة الوجوه لرئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، قد لا تُنهي ولاية السنوات الأربع التي ينص القانون عليها، لكنها أفلحت - بحسب مؤيديها - في وضع حد للأزمة السياسية التي شهدتها إسرائيل في العامين الماضيين وتخللها أربعة انتخابات تشريعية لم تؤد سوى إلى تفاقم التفتت السياسي والمجتمعي.
بيد أن ظاهرة غياب الأحزاب الكبيرة ذات التأييد الكاسح وتنافس حزبين أو ثلاثة على الأكثرية الساحقة من أصوات الناخبين الذين تتغير توجهاتهم وقناعاتهم، ليست محصورةً في بلد واحد ولا حكراً على نظام سياسي معين. فقد بات التمثيل الشعبي والتفويض السياسي من الناخب إلى المسؤول المنتخب مسألتين تعبران عن أزمة عميقة في الديمقراطيات الغربية وفي البلدان الأقل التزاما بالنظام الديمقراطي سواء بسواء.
وفي مقابل صعود «الرجال الأقوياء» في العالم يبدو الرؤساء المعتمدون على الأصوات التي تأتيهم من صناديق الاقتراع في حالة صعبة. رؤساء من صنف فلاديمير بوتين في روسيا وشي جينبينغ في الصين ونارندرا مودي في الهند وصولاً إلى فيكتور أوربان في المجر ورجب طيب إردوغان في تركيا، ممن يستندون إلى جداول أعمال تخاطب المشاعر القومية وتعد بالإنجازات الباهرة سواء عن طريق استعادة أمجاد الماضي أو الكرامة الوطنية المهدورة أو تحشد المواطنين للتصدي لأخطار داخلية وخارجية أكثرها مُتخيل، لا يبالون كثيرا بالعملية الديمقراطية كآلية متكاملة لإنتاج السلطة. ما يهمهم من الديمقراطية هو العملية الانتخابية وهذه ليست إلا بداية الحكم الديمقراطي الذي يتضمن توزيع السلطة وتوازنها، وتبادل الرقابة بين فروعها، واستقلال أجهزتها التنفيذية عن القضائية عن التشريعية، وسوى ذلك مما يعرفه كل قارئ وسياسي.
فعل نتنياهو كل ما يمكن تخيله للانضمام إلى «الرجال الأقوياء». بل إن عهد دونالد ترمب في البيت الأبيض كان شهر عسل استغله رئيس الوزراء السابق إلى الحد الأقصى. فحصل على نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وأوقفت واشنطن مساهمتها في تمويل السلطة الفلسطينية، وأغلقت مكتبها عندها، وقلصت تمويل منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا»، وأطلقت «صفقة القرن» التي لا تمنح الفلسطينيين حق تقرير المصير ولا القدرة على بناء دولة مستقلة.
من جهة ثانية، كثّف نتنياهو الاستيطان في الضفة الغربية والعمليات التي تستهدف المشروع النووي الإيراني بل الاقتصاد الإيراني برمته، ولاحق السفن التي ترسلها طهران إلى البحرين الأحمر والمتوسط. لقد بالغ نتنياهو في استثمار عامل الخوف عند الإسرائيليين من أعدائهم القريبين والبعيدين.
أما فشله في التحول إلى عضو دائم في نادي «الرجال الأقوياء» نجم عن الوضع الإسرائيلي الداخلي المتسم بالتشتت والشرذمة لكن - للمفارقة - ضمن اتفاق بل إجماع داخلي وحيد لا ثاني له على العداء لكل خطر خارجي يمكن أن يُسمى حينا بالفلسطينيين وفي حين آخر إيران.
يمكن قد تكون نقطة النجاح الكبيرة عند لابيد هو تقبله المرونة اللازمة لتجميع التناقضات الداخلية لزعماء أحزاب لا تنقصهم الانتهازية ولا العنصرية ولا الحقد المتبادل على بعضهم بعضاً، لكنهم اتفقوا على إزاحة نتنياهو الذي يفوقهم بأشواط في الصفات هذه مجتمعة.
من هذه الزاوية، يجوز القول إن تجربة بينيت - لابيد تشكل الفصل الثاني من مواجهة المد الشعبوي بعد نجاح الرئيس جو بايدن في تشكيل معسكر انتخابي يحظى بغطاء من يسار الوسط والأقليات العرقية وعدد من الشركات الكبرى، وذلك بالاعتماد على السجل الحافل بالأخطاء الذي حمله ترمب ومسؤولو إدارته. تحالف هجين من دون ريب، لكنه أفلح في إقصاء ترمب رغم شعبيته الكاسحة في أوساط الأميركيين البيض، وخصوصاً الفقراء منهم الذين يعتقدون أنهم باتوا معرضين للتهميش والذين يفقدون وزنهم الديموغرافي واستطرادا السياسي في بلدهم الذي يرفضون رؤيته يتغير.
ولا مفر من التذكير بأن الحكومة الإسرائيلية الجديدة لا تقل تطرفا وعنصرية عن سابقتها، لكنها قضت على طموحات نتنياهو وعادت إلى تحت المظلة الأميركية بحسب ما فُهم من الاتصال الأول بين بينيت وبايدن.
وما من شيء يشير إلى أن هاتين التجربتين ستتكرران في العديد من الدول الأوروبية المهددة بالسقوط في أيدي اليمين المتطرف الشعبوي، خصوصاً فرنسا التي تقترب انتخاباتها الرئاسية وسط أزمة اقتصادية واجتماعية قاسية، لكن التجربتين تقولان إن تصعيد التوتر في الشارع، واستفزاز الناخبين، وتعميق الانقسامات على أسس الهوية والعرق والدين ليست مضمونة النتائج دائما، وإن ثمة ما يشجع على عدم الاستسلام لخطاب يريد أن يرتدي الرداء القدري. مقلدو هذا الخطاب كُثر في العالم العربي.