طارق الشناوي
ناقد سينمائي مصري
TT

امضِ (قيس) امضِ!

فرضت نفسها بقوة خلال هذه الأيام مجدداً حكاية (القايمة) التي على العريس أن يوقع عليها من أجل إتمام الزفاف، البعض أيدها بقوة، والآخرون وجدوا فيها قدراً لا ينكر من التوجس، فكيف لمن نأتمنه على العرض أن نتشكك في أمانته على (عفش) أثاث بيت الزوجية، وترحمنا على ذلك الزمن الذي يذكرنا به صوت فريد الأطرش في فيلم (الخروج من الجنة) وهو يغني لهند رستم (لقمة صغيورة تشبعنا... عش العصفورة يقضينا).
فهل تصلح هذه المشاعر، في زمن أصبحت فيه اللكمات العنيفة المتبادلة بين العروسين بديلاً عن الكلمات الناعمة؟ زادت معدلات الطلاق في البيت المصري بالمقارنة بكل دول العالم، فأصبحت هناك ضرورة ملحة لوضع ضوابط مادية تضمن حق العروس، لو استحالت العشرة مع العريس، على الأقل حتى لا تخرج من (المولد بلا حمص).
قال أحمد شوقي أمير الشعراء على لسان قيس بن الملوح (ليلى بجانبي كل شيء إذن حضر). تابعوا لو أن قيساً تزوج ليلى هل كان سيلقبه أحد بالمجنون، أم سينسى تماماً أمام ضغوط الحياة تلك المشاعر المتأججة، وسيصبح أعقل العقلاء، ولو أشعلت له ليلى أصابعها العشر شموعاً لطالب، بعد أي خطأ صغير، بحق اللجوء إلى ليلى أخرى!!
أحب الشاعر أحمد رامي أم كلثوم من طرف واحد، وأسفر هذا الحب عن عشرات من أشهر الأغنيات وأرقها في تاريخنا الفني، ملأها رامي بومضات العشق، هل كان رامي سيكتب هذه الأشعار الجميلة مثل (رق الحبيب) و(هجرتك) و(إنت الحب) لو تزوج أم كلثوم؟ أشك كثيراً أنه كان سيفعلها، القلم غالباً كان سيتمرد على كل هذا الخضوع للزوجة، ولكنه يفعلها فقط وبكل رضا للحبيبة مردداً (عزة جمالك فين... من غير ذليل يهواك).
أشهر قصائد الحب (الأطلال) التي اعتبرتها الكثير من المراجع قصيدة القرن العشرين، كان إبراهيم ناجي مغرماً بكتابة أبيات تلك القصيدة على (روشتات) العلاج حيث كان طبيباً وأيضاً كتب بعضها على مناديل كل من النجمتين زوزو ماضي وزوزو حمدي الحكيم، ولكنه لم يتزوج أياً منهما، وبعد غناء هذه القصيدة عام 1966 نشبت معركة بين (الزوزتين)، كل منهما ادعت أن ناجي كتبها كاملة لها، بينما ناجي رحل قبلها بـ13 عاماً محتفظاً باسم الملهمة.
كمال الشناوي كتب سيناريو أحداثه تبدأ بمشهد (أبيض وأسود) من أي فيلم قديم جمعه مع شادية، وهما في طريقهما للمأذون، ويكتب على الشاشة مر 20 عاماً ثم يبدأ في تقديم مشاكل البيت والأولاد، وكيف انعكس ذلك سلباً على مشاعر الحب القديم، أوصلتهما إلى الطلاق، لم يشأ كمال الشناوي أن يصدم جمهوراً تعلق بالثنائي شادية وكمال الشناوي، عبر عقود من الزمان، فأنهى السيناريو بمشهد مأذون يعقد قرانهما مجدداً، بينما كان أبناؤهما شهوداً على العقد، عندما عرض كمال الفكرة على شادية، كانت قد اعتزلت وتحجبت فتوقف المشروع.
الحب حكاية جميلة تخلق قانونها الخاص، بينما الحياة تفرض قانونها الطاغي الذي يغتال كل الأحلام المحلقة دوماً في السماء.
مع الأسف الكل أمام سطوة الواقع، عليه أن يكمل قصيدة أحمد شوقي (مجنون ليلى)، بل ويعيد أيضاً تفسير كلماتها برؤية عصرية وتحديداً تلك الشطرة التي يطالب فيها والد ليلى، قيس، بالرحيل عن الديار مردداً (امضِ قيس امضِ) لتصبح في ثوبها الجديد بمعنى (وقع يا قيس على القايمة وقع)... وقع وإلا؟!