تيلر كوين
TT

لماذا يخذلنا الاقتصاد؟

علم الاقتصاد هو أحد العلوم الاجتماعية الأكثر تمويلاً والأكثر علمية، لكنه يخذلنا في بعض النواحي المهمة. المشكلة الرئيسية كما أراها هي المعايير: فهي إما مرتفعة جداً وإما منخفضة جداً. وفي كلتا الحالتين فإن النتيجة دائماً أقل جرأة وأقل إبداعاً.
فكر في البحث الأكاديمي في حقبة الثمانينات. فقد كان من المعتقد على نطاق واسع أن عدد صفحات البحث المقدم إلى مجلة علمية يجب أن يتراوح بين 17 صفحة و30 صفحة في المجلات العلمية الكبرى. كانت النتيجة هي ظهور الكثير من الأفكار الجديدة، وإن كانت بجودة تنفيذ أقل. في الوقت الحاضر، من الشائع أكثر أن تتكون الأبحاث المقدمة إلى المجلات الاقتصادية الكبرى من 90 صفحة، مع ملاحقها، وطرق وأساليب اختبار صارمة، ويشارك فيها العديد من المؤلفين، كل يدلي بدلوه في نقد الأبحاث المنشورة.
ليس هناك شك في أن الطريقة الحالية تعطي نتائج أكثر مصداقية. لكن بأي ثمن؟ كان خبراء الاقتصاد الذين غيّروا العالم، مثل آدم سميث، وجون ماينارد كينز، وفريدريك هايك، لديهم أفكار رائعة، لكن التنفيذ لم يكن كاملاً. لكن الآن بات من الصعب على هذا النوع من الأبحاث الرصينة أن يكتسب الزخم. فالتقنية هي صاحبة اليد العليا التي يتعين إتقانها في سن مبكرة، مع ضرورة متابعة بعض الطلاب الجامعيين لعملية إعداد «المستندات التمهيدية» الأخرى للالتحاق بإحدى كليات الدراسات العليا.
في الوقت نفسه، ينتهج القطاع ما يعرف باستراتيجية «باربل» لعدم المجازفة. ففي منصة «تويتر» وفي المدونات السابقة تجد أن الحواجز التي تحول دون الدخول والمشاركة باتت محدودة للغاية، وأن درجة الدكتوراه لم تعد ضرورية لتقديم الأبحاث. قد يكون ذلك أمراً جيداً لكن اختبارات الجودة ضعيفة للغاية.
إليكم السر الصغير غير الشريف الذي يعترف به القليلون من زملائي أساتذة الاقتصاد: فنظراً لأن هذه الأوراق البحثية «المثالية» قد تكون طويلة من ناحية عدد الصفحات، فقد باتت أقل أهمية. ولذلك فقلة من الناس - بمن فيهم الأكاديميون أنفسهم - يقرأونها بعناية ولم يعودوا يولونها اهتماماً إلا إذا كانت تتعلق بالسياسة.
تتأثر الآراء الفعلية حول السياسة بشكل أكبر بالمناقشات على وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما الموضوعات الساخنة مثل الحد الأدنى للأجور. هنا يتعين علينا التأكيد أنه يجب ألا يكون الدور المتنامي لـ«تويتر» أمراً سيئاً. فوسائل التواصل الاجتماعي تتميز بالمساواة، وتحفز النقاش الحماسي وتتيح التعاون البحثي عبر مسافات بعيدة. ومع ذلك، فقد تم استحداث ثقافة جديدة من «النقاش عبر التغريدات»، بدلاً من ثقافة «النقاش السابقة من خلال الكتب»، ورغم المطالبة بالكثير من الصرامة في البحث الأكاديمي، فقد أوجد خبراء الاقتصاد بيئة يراها غالبية الناس أقل صرامة. وهناك أيضاً تأثير سياسي، حيث إن «تويتر» هو وسيط اجتماعي يساري نسبياً، لديَّ مشاعر مختلطة حول تطور الآيديولوجيا في مجال الاقتصاد. ففي الأزمنة السابقة كانت هناك مدارس فكرية - كينزية ونمساوية ومؤسسية و«مدرسة شيكاغو» وما إلى ذلك - مرتبطة بآراء متماسكة للعالم. كان ذلك غير علمي، وأدَّى إلى تبني الناس السياسة والآراء التجريبية التي لم تكن مدعومة دائماً بالأدلة.
تلاشت المدارس الفكرية الصريحة منذ ذلك الحين - لكن الآيديولوجيا لم تندثر. فالآيديولوجيا المهيمنة الجديدة، غير المعلنة في كثير من الأحيان، هي مزيج من الاستيقاظ ومنطق السياسة التكنوقراطية الديمقراطية من يسار الوسط. ولست متأكداً من أن غالبية خبراء الاقتصاد الذين ينتمون إلى العديد من الدول والثقافات يؤيدون هذا النهج. هم لا يعملون بجد ضدها، ولذا فهي القاعدة الافتراضية غير المعلنة. علاوة على ذلك يتم إجراء المزيد من الأبحاث الاقتصادية هذه الأيام في فرق كبيرة، وليس منفردة، لذا فإن الحافز الحقيقي هو «المضي قدماً لتحقيق الانسجام».
منذ وقت ليس ببعيد، أشار هارفي مانسفيلد إلى أن جامعة هارفارد، حيث كان عضواً في هيئة التدريس لما يقرب من ستة عقود، لم تعين أستاذاً محافظاً بشكل علني في السنوات العشر الماضية - في أي مجال، وليس فقط الاقتصاد. ومن الصعب المجادلة بأن التحيزات السياسية الواضحة جداً على «تويتر» لا تؤثر بطريقة ما على الجانب الأكاديمي من المهنة.
ونظراً لأن الاقتصاد أصبح أكثر آيديولوجية، فقد أصبح أيضاً أقل صراحة بشأن آيديولوجياته. وقد أدَّى ذلك إلى تنوع فكري أقل وعدد أقل من الأفكار الجديدة الراديكالية.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»