علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

مهارة

فيما مضى كان بعضنا في السعودية أو معظمنا يستذكر دروسه في المسجد، لا سيما حينما تقترب الامتحانات النهائية، وكان المسجد يعُج بالطلبة وكنت واحداً من هؤلاء، أتذكر أنه أتانا أحد الشباب وسكن في المسجد وأصبحت مهنته الصلاة وقراءة القرآن، وفي يومٍ ما انطلق في وجهنا يقرعنا كيف ندرس اللغة الإنجليزية في المسجد؟ لم نستسغ محاضرته فأخبرنا آباءنا الذين نهروه ونهوه عن فعلته ليغادر المسجد. في الوقت ذاته كان العالم العربي حديث استقلال عن الاستعمار وكان يجب ترسيخ الهوية العربية، ولكن للأسف هذا الترسيخ زاد على حده.
فأصبحنا نتغنى بقصيدة حافظ إبراهيم عن اللغة، بل ندرسها لأنها مقررة في أحد مناهجنا الدراسية وأصبحنا نردد قول حافظ إبراهيم: وسِعتُ كتاب الله لفظاً وغاية... وما ضِقتُ عن آيٍ به وعِظاتِ... مثل هذا الأمر مطلوب في مرحلته لبلاد عربية خارجة من الاستعمار وتريد أن تعزز هويتها العربية ولكن هذا الأمر تطور وأصبح التغيير في المناهج أمراً صعباً للغاية وحساساً اجتماعياً ودينياً حتى أصبحت مخرجات التعليم لا تناسب سوق العمل.
بعد ذلك أدركنا خطأنا وبدأنا بمحاولة تعديل مناهجنا لتواكب مخرجاتها متطلبات سوق العمل سواء السوق المحلية أو العالمية، ولكن للأسف كان التعديل بطيئاً وفي بعض الأحيان محدوداً، ما اضطر بعض العوائل المقتدرة لأن تُلحق أبناءها بالمدارس العالمية التي تدرس جميع موادها باللغة الإنجليزية باستثناء مادة واحدة وهي مادة الثقافة الإسلامية.
التعديل الأخير الذي طرحه معالي وزير التربية والتعليم السعودي أتوقع أن يفي بالغرض بحيث تتواكب مخرجات التعليم مع احتياجات سوق العمل، وهذا الأمر في نظري رغم أهميته، فإن الأهم منه أن منهج التعليم المطروح ركز على مهارتين؛ تعليم المهارة الرقمية وتعليم اللغة الإنجليزية من الصف الأول.
وطرح معالي وزير التعليم لخطة المنهج السنة المقبلة لا يعني وصولنا للكمال، ولكنه خطوة في الطريق الصحيح وكسر عقدة التطوير وانقلاب فلسفة التعليم لدينا بنسبة 100 في المائة، لنعتمد على المهارة والتفكير بدلاً من التلقين والحفظ.
مهما تفلسفنا في هدف التعليم، فإن الهدف الأساسي للمتعلم هو الحصول على وظيفة ولتحقيق هذا الهدف يجب أن تكون مناهجنا التعليمية قادرة على إكساب المتعلم مجموعة من المهارات يستطيع من خلالها كسب لقمة عيشه، وتعديل المنهج وأسلوب التعليم إذا ما تم بالطريقة الصحيحة، فإنه سيخفف التكاليف والأعباء عن المنشآت الاقتصادية، فقد كانت المنشآت الاقتصادية تأخذ مخرجات التعليم من الأفراد وتعيد تأهيلهم عبر الدورات وهذا يكلفها الوقت والمال.
نتمنى من الخطة المطروحة أن تُخرج لنا مخرجات متميزة وليس بالضرورة أن يكون ذلك من أول عام أو من الأعوام الخمسة الأولى، لأن الخطة إذا طرحت للتطبيق الميداني فإن ذلك سيظهر مميزاتها وعيوبها، وأتمنى على القائمين على التعليم أن يرصدوا مميزات وعيوب الخطة الجديدة من ميدان التطبيق ويحاولوا تعزيز الإيجابيات وسد نقص الثغرات، ففي النهاية هذا عمل بشري لا ينتظر منه الكمال ولكن ينتظر أن يكون خطوة على الطريق الصحيح. ودمتم.