طارق الشناوي
ناقد سينمائي مصري
TT

دموع الجنازة ورقصات الفرح

هل شاهدناهم وهم يمثلون في الحالتين؟ كان هذا السؤال، عندما تابع الناس على (السوشيال ميديا)، حفل زفاف يقام في (الجونة) ليلة وداع سمير غانم، بينما كانت النجمات من أمثال يسرا وليلى علوي وإلهام شاهين ولبلبة يتصدرن مشهد حفل الزفاف، قبلها بعدة ساعات كن في الصباح على باب المسجد، يودعن سمير غانم، والدموع تفيض في عيونهن.
بعض الناس لا يصدقون عادة أحزان النجمات والنجوم أو ضحكاتهم، ولديهم إحساس بأنهم يمثلون أمام الكاميرا وبعيداً عنها، ولكن بلا دليل ملموس، هذه المرة اعتقدوا أنهم أمسكوا الدليل، بين أيديهم.
دعونا نقرأ المشهد بوجه آخر، عدد كبير من الفنانين كانوا يتلقون خبر رحيل أقرب الناس إليهم وهم في الاستوديو أو في طريقهم للتصوير أو حتى أثناء عرض المسرحية، مثلاً عادل إمام علم بوفاة زوج شقيقته الفنان مصطفى متولي، عام 2000، بينما كان يقدم مسرحية (بودي غارد) ورفض أن يغلق المسرح ويعيد نقود التذاكر للجمهور، واستعانوا بالممثل محمد أبو داود لأداء دور مصطفى متولي، وبعد غلق الستار بكى عادل إمام وفريق العمل. قبلها بنحو عشرة أعوام، علم عادل إمام بخبر رحيل والده، وهو يعرض مسرحية (الواد سيد الشغال) في بيروت، وأكمل العرض وضحك الجمهور كما لم يضحك من قبل، وبعد إسدال الستار، انفتح مرة أخرى، وقرر عادل أن ينعى والده على الملأ مع الجمهور.
الفنان الراحل حسن حسني كان مرتبطاً بتصوير أكثر من فيلم ومسلسل، حيث كان رمضان على الأبواب، بينما تلقى خبر رحيل ابنته، وبعد انتهاء مراسم الدفن والعزاء أكمل التصوير، وقالت لي الفنانة سوسن بدر إنها بعد مراسم دفن أمها ذهبت للاستوديو مباشرة.
لا أشك أبداً أن النجوم والنجمات جاءوا لوداع سمير غانم والحزن يسكنهم، ولكنهم كما يبدو كانوا قد وعدوا رجل الأعمال بالمشاركة في حضور حفل الزفاف بـ(الجونة)، ولم يجدوا غضاضة في الذهاب ليلاً إلى الفرح، بل ورقصت وغنت يسرا أيضاً مع عمرو دياب.
الحل المنطقي للأطراف جميعها وأظنه كان مطروحاً، هو تأجيل حتى إشعار آخر، ولكن من الواضح أن الاتفاقات المسبقة حالت دون ذلك.
هل من الممكن أن نصدق دموع الصباح وضحكات المساء؟ لا أعتقد أن هناك من لم يبك سمير غانم، والذي كان متسامحاً ومحباً للجميع، إلا أن الممثل المحترف يستطيع نفسياً الخروج من (مود) إلى آخر، وهكذا جاء المساء وهو يحمل حالة أخرى.
حفل الزفاف ليس دوراً يُلتزم بأدائه، إلا أن الإنسان عندما يصل لمكانة أدبية تتحول المجاملات إلى إلزام لا يستطيع منه فكاكاً، والذي لم تحسب النجمات له حساباً، هو أن المحمول سوف يكون هناك، ويوثق وينقل كل شيء وفي لحظات أصبحوا (تريند).
إنه في نهاية الأمر اختيار، لا نجرّمه ولا نحرّمه وأيضاً وبنفس الدرجة لا يعني ذلك أننا نشجعه، ولكن ينبغي ألا نشكك في دموع الحزن، التي رأيناها في الصباح.
حفل الزفاف ليس مسرحاً ولا استوديو، إنه واجب اجتماعي، علينا ألا نصادر حق أي إنسان في تحديد طريقة وأسلوب التعبير عن واجبه الاجتماعي.