نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

السلطة: معارك كثيرة.. وجيوب فارغة

حين توجه الفلسطينيون إلى مجلس الأمن، لعلهم يوقظون الضمائر النائمة، خصوصا الضمير الأميركي، وافقهم الجميع على ذلك.
ومع يأسهم المسبق من استحالة الحصول على قرار بإنهاء الاحتلال، وذلك بسبب الفيتو الأميركي، إلا أنهم واصلوا الرحلة، وكانت المفاجأة للحسابات المتسرعة وغير الناضجة، أن التوجه سقط بالتصويت دون الاضطرار للفيتو.
وحين قرروا الذهاب إلى محكمة الجنايات، تفهم الكثيرون هذا القرار ودعموه بالتشجيع وبعض المشورة؛ إذ ليس منطقيا ولا أخلاقيا أن يمنع الفلسطينيون من الشكوى بعد أن منعهم الظلم المتمادي من الحق.
غير أن العالم شديد القسوة الذي نعيش فيه، له موقفان؛ أخلاقي فيه تفهم يصل إلى درجة التبني، ومصلحي تحيد فيه الأخلاق وتتحكم فيه الحسابات.
وإذا ما أراد الفلسطينيون مواصلة الرحلة نحو مجلس الأمن ومحكمة الجنايات، فعليهم إدراك حقيقة شديدة المرارة من كل النواحي؛ ففي مجلس الأمن تعود الضمير الأميركي على الموت حين يتصل الأمر بإسرائيل، فللأميركيين في هذا الشأن موقف مبدأي استراتيجي يفوق الاعتبارات الأخلاقية. وبوسعنا القول إن مجرد الذهاب إلى مجلس الأمن وإيجاد من يرفع الشكوى باسم الفلسطينيين هناك، أمر مقدور عليه على الدوام، وكذلك فيما يتصل بإجراءات الذهاب إلى محكمة الجنايات، فقد يجد الفلسطينيون فاعل خير يغطي نفقات المحامين، ومجريات الدعوى في سياقها القانوني، غير أن هذا ليس إلا قمة جبل الجليد الظاهرة للعيان، ذلك أن الفعل المضاد الذي كان الإسرائيليون قد خططوا له مسبقا، يمكن أن يفضي إلى إفلاس السلطة عبر وسائل جهنمية متعددة، تبدأ بحجب الأموال الفلسطينية جزئيًا عن أصحابها، وإشهار مطالبات بديون متراكمة على الفلسطينيين وتبلغ مئات ملايين الدولارات، إضافة إلى تحريك قضايا جنائية ليس فقط ضد صناع القرار السياسي، وقرار محلفي نيويورك دليل، وما يبيت للبنك العربي دليل آخر، إضافة إلى قيام نتنياهو ومن معه من المتنفذين في إسرائيل، بوضع الواقع الفلسطيني المرير في مزاد الانتخابات، وفق معادلة تقول: كلما ألحقت مزيدا من الأذى بالفلسطينيين، امتلأت صناديق الاقتراع بالأصوات.
وإذا ما نظرنا إلى القوى المؤثرة في المسار الفلسطيني - الإسرائيلي سلبا أو إيجابا، فإننا نرى حالة من إطلاق يد إسرائيل، وتحديدا نتنياهو، ليفعل ما يشاء بالفلسطينيين، ليقتصر رد الفعل على إجراءاته الفاحشة، على مجرد اللوم الرقيق، والتوسل برجاء التخفيف من غلوائه ولو قليلا، مما يعني، في محصلة الأمر، تفهما لما يفعل، واعتذارا عن صده وإلزامه بالتوقف إن لم نقل التراجع.
وإذا ما توخينا الموضوعية في قراءة ما يجري في كل الجوانب، فإننا نجد أنفسنا حيال مأزق مركب لا أغالي لو قلت: «لا حل له»؛ فالفلسطينيون الذين فرض عليهم الدخول في معارك سياسية ذات دوافع مفهومة وعادلة، لا يستطيعون أخلاقيا وسياسيا ووطنيا التراجع عن خط سيرهم، لأن ذلك لو حدث، فسوف يفضي إلى تبدد المصداقية والوقوف أمام اتهام شعبي بأنهم قايضوا على الثوابت بالمخصصات المالية، والإسرائيليون في موسمهم الانتخابي هذا ليسوا مؤهلين، مهما تعرضوا للضغوط والتوسلات، لتقديم أي تراجع، بل إنهم في هذا الموسم سوف يفتشون عن مصادر أذى جديدة للفلسطينيين. وفي حال فوز اليمين، وهذا أمر إن لم يكن مرجحا فهو محتمل، فكل ما قُطع من تعهدات انتخابية سوف يجري التصرف معه كالتزامات حكومية لا بد أن تُؤدى، أما إذا فاز ما نسميه «يسار الوسط»، فسوف يواجه معارضة شرسة توفر له ذريعة كافية لئلا يقدم حلولا جذرية لمسألة الاحتلال والاستيطان وغيرها.
أما الأميركيون، المفترض أنهم العرّاب التاريخي للحالة الفلسطينية - الإسرائيلية، فلديهم من أبواب الهرب والتبرير ما يكفي ويزيد؛ بدءًا من واقع الكونغرس المتربص بأوباما والمتفوق عليه في أي تصويت، ومرورا بالانهماك في المشروع النووي الإيراني، وهو المشروع الاستراتيجي الأساسي، الذي لو نجح فيه أوباما فسوف يجد ما يباهي به في عهده، دون أن نهمل الانشغال في «داعش» الذي لا يزال الأميركيون يصورونه كما لو أنه التنين الذي ينبت له كل يوم رأس، ويضرب في كل الاتجاهات، ويحتاج لصده زمنا قد يكون أطول من أزمان كل الحروب التي خاضتها أميركا في الشرقين الأقصى والأوسط.
حين يكون المأزق على هذا النحو، فالخوف من انهيار السلطة، كما يحذر رئيسها، يظل مفهوما إن لم يكن قيد العمل، ومأزق كهذا لا ينفع معه التنقيط في الحلق لتأجيل الموت ليس إلا.