تعرض النضال في مواجهة التطرف للإعاقة جراء العجز عن تحقيق وعي تاريخي وتفهم ثقافي. منذ البداية، تناولنا مشكلة الإرهاب من خلال منظور افتراضاتنا وقيمنا. لقد افترضنا أن الأفراد يتحولون للتطرف لأنهم عاجزون عن الحصول على ما يرغبون فيه، بينما نخفق في استيعاب أنهم لا يرغبون فيما نرغبه، وإنما يرغبون في شيء يعتبرونه أعلى شأنا.
ويمكن النظر للخطاب الذي ألقاه الرئيس أوباما خلال قمة محاربة التطرف العنيف التي عقدت مؤخرا، مثالا على هذا الأمر، حيث جاء الخطاب رديئا، لكن رداءته لا ترتبط بالرئيس أوباما على وجه التحديد، ذلك أنها تنتمي لنمط الرداءة نفسه الذي وسم خطابات جميع الرؤساء الأميركيين على مدار الجيل الماضي.
في الواقع، يوجد التطرف الديني على مستويات ثلاثة؛ فهو ينبع من اختلال وظيفي اقتصادي وسياسي، وتؤججه ميول منحرفة، وتنظمه قناعات دينية. والملاحظ أن اهتمام الرؤساء الأميركيين يكاد يقتصر تماما على المستوى الاقتصادي والسياسي.
خلال اجتماع القمة، قدم الرئيس أوباما تفسيرا ماديا تقليديا لما يدفع الناس نحو الإرهاب، حيث أشار إلى أن الإرهاب ينتشر عند غياب الفرص الاقتصادية. وخلص إلى أن السبيل لمحاربة الإرهاب توفير برامج تدريب أفضل للإعداد لدخول سوق العمل، وتحقيق تشارك أكبر في السلطة وانفتاحا أكبر في الأنظمة السياسية ونشر رسالة عامة تقوم على التسامح والتعددية.
باختصار، حمل الرئيس أجندته الداخلية العلمانية وطرحها سبيلا للحيلولة دون انضمام الشباب لتنظيم داعش وقطع الرؤوس.
بيد أن الأفراد لا ينضمون لـ«داعش» بسبب رغبتهم في وظائف أفضل. في الواقع إن «داعش» واحد من سلسلة طويلة من التنظيمات المناهضة للتنوير، يقودها أشخاص يبدون ازدراءهم للأهداف المادية البرجوازية المهيمنة على سياساتنا. ولا يعبأ هؤلاء الأشخاص بخصوص تحسن مستويات معيشتهم في هذه الحياة الدنيا ببضع درجات مئوية سنويا. كما أنهم لا يتحولون للإرهاب بسبب الكبت الجنسي، وإنما يفعلون ذلك لاعتقادهم أن هذا يرقي أرواحهم وينقيها.
في تحقيق نشرته «نيويورك تايمز»، الخميس، تناولت منى النجار قصة شاب مصري يدعى إسلام يكن، نشأ في مدرسة خاصة وانتهى به الحال يقاتل في صفوف «داعش» ويقف بزهو بجانب جثث مقطوعة الرأس في سوريا.
لقد كان مهمشا من قبل المجتمع، ويبدو أنه رفض مجمل الحسابات لما نطلق عليه المصالح الذاتية، وانجذب لرؤية عالمية مثيرة ترتبط بنهاية العالم وما يعتقده مصيرا بطوليا لا حدود له. إنه وأمثاله يرغبون في نوع من المجد الذي لا يمكن الفوز به إلا عبر إبداء القوة في مواجهة الموت.
إن التطرف ظاهرة مرتبطة بالدين، ورغبة نحو الارتقاء بالروح تتحول إلى العكس. وسيلقى الإرهاب الهزيمة فقط عندما يجد الأفراد مسارا آخر للشعور بتحقيق الذات، أكثر جرأة وسموا.
في عصور سابقة، طرحت القومية رؤية جاذبة. ورغم أننا ننظر للقومية أحيانا بوصفها قوة تدميرية، وهو ما يمكنها التحول إليه بالفعل، فإن القومية المرتبطة بالديمقراطية العالمية مثلت دوما قوة دافعة نحو السمو والارتقاء. وقد أسهمت القومية في صورتها هذه في صياغة حياة أبطال في أميركا وفرنسا وبريطانيا وما وراءها. مثلا، ألزم لينكولن نفسه بحقيقة ساطعة تدور حول أن بلاده تمثل «الأمل الأفضل والأخير» أمام الإنسانية.
وقد استقى الملايين وحيهم من قطاع من الأميركيين وصفهم المؤرخ الراحل ساكفان بركوفيتش بأنهم «نجحوا في توحيد أواصر الجنسية والعالمية، والذات المادية والروحانية، والتاريخ المقدس والعلماني، وماضي الأمة وجنتها المنشودة، على نحو فريد وراق».
إن الشباب العربي لن ينأى عن التطرف لمجرد تحقيقه فجأة ظروفا مادية أفضل، وإنما سيتراجعون عن العنف عندما يصبح بإمكانهم تكريس ذواتهم لقومية مصرية أو لبنانية أو سورية؛ بمعنى قضية تربط بين القومية والكرامة والديمقراطية.
إن التطرف لا يرتبط بالإسلام في معظمه، وإنما يتعلق بطموح نحو الصواب ضل سبيله جراء رؤية دينية تدميرية. وبإمكان رجال الدين المسلمين إصلاح الجزء الخاص بالفكر الديني، أما الباقي فيمكننا المعاونة فيه عبر إعادة توجيه أنظار هؤلاء الأشخاص نحو غايات إنسانية مثمرة.
* خدمة «نيويورك تايمز»