جيمس ستافريديس
- أميرال بحري متقاعد بالبحرية الأميركية وقائد عسكري سابق لحلف الناتو وعميد كلية فليتشر للحقوق والدبلوماسية بجامعة تافتس < بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

روسيا وقراصنة الإنترنت

كان لدى الملكة إليزابيث مشكلة، لكن هذه المشكلة لم تكن ميغان وهاري. ولم تكن هي إليزابيث الحالية، بل إليزابيث الأولى التي حكمت ما بين عامي 1558 و1603 ومشكلتها كانت إسبانيا.
ظلَّت الإمبراطورية الإسبانية الكاثوليكية تهدد إنجلترا البروتستانتية باستمرار باستخدام موارد هائلة تتدفق إلى الخزائن الإسبانية من المستعمرات في العالم الجديد. واحتاجت الملكة إليزابيث إلى وسيلة لاعتراض سفن الكنز التي أعادت حمولتها عبر المحيط الأطلسي. ونظراً لافتقارها إلى قوة بحرية قوية، لجأت الملكة إلى فكرة ذكية هي تفويض رد الاعتداء.
مثل هذه التفويضات التي منحها التاج البريطاني حولت البحارة المغامرين مثل السير والتر رالي، والسير ريتشارد غرينفيل إلى قراصنة قانونيين. فباستغلال حماية الملكة، تمكنوا من القيام بكل أعمال القرصنة التي أرادوها وباتت ثروات الإمبراطورية الإسبانية هدفهم الرئيسي.
كانت الرسائل في جوهرها تراخيص حكومية تسمح لمواطن عادي بالاستيلاء على سفن أمة في حالة حرب مع إنجلترا. فقط فكر في الأمر على أنه نسخة مبكرة من الشراكات بين القطاعين العام والخاص. ولعل أكثر هؤلاء «القراصنة» شهرة، كما أطلق عليهم لاحقاً، كان السير فرانسيس ديريك، سواء اعتبرته وطنياً أم قرصاناً.
في عالم اليوم، تعد البحار السيبرانية هي الأكثر خطورة، إذ يبدو أن الكرملين قد اقتبس صفحة من كتاب استراتيجية الملكة إليزابيث وبات هو من يصدر تفويضات رد الاعتداء إلى مجرمي الإنترنت. فعلى الرغم من عدم وجود دليل قاطع على أن الحكومة الروسية تستفيد مالياً، فإن مصادر - بما في ذلك وزارة الخزانة الأميركية - تشير إلى أنها توفر الحماية لجهات القرصنة التي تسرق من الغرب. إذا كان هذا صحيحاً، فإن القواعد الروسية بسيطة: لا تهاجم أي دولة متحالفة مع روسيا، ولكن بخلاف ذلك، فإن البحار الإلكترونية مفتوحة للصيد.
على الرغم من أنه من غير المؤكد ما إذا كان الكرملين متورطاً، فمن الواضح أن هجوم الفدية على نظام خطوط أنابيب الساحل الشرقي من قِبل قراصنة مقرهم روسيا يُعرفون باسم «دارك سايد» (الجانب المظلم) يناسب هذا النمط الروسي.
وخلال حديثه معي، قال الأدميرال مايكل روجرز، الرئيس السابق للقيادة الإلكترونية الأميركية: «لقد كنا على علم منذ فترة بأن أجهزة الأمن الروسية أقامت علاقات مع الجماعات الإجرامية في روسيا التي تشارك في أنشطة إلكترونية ضد أهداف في الولايات المتحدة»، مضيفاً أن ذلك تراوح «بين استخدام برامج الفدية وسيلة لابتزاز الأموال من الشركات والمؤسسات الحكومية وسرقة البيانات وأنشطة أخرى».
وتابع روجرز: «ليس من قبيل المصادفة أن يكون أكبر تركيز لممثلي الجرائم الإلكترونية في العالم بروسيا. فهذه العلاقة التكافلية في ازدياد وذات تأثير ووضوح، كما نرى من خلال تطور قصة خط أنابيب المستعمرة. على المرء أن يتساءل لماذا لا يعاني الروس من مستويات مماثلة من الجرائم الإلكترونية؟».
وبصفتي قائداً عسكرياً لـ«حلف شمال الأطلسي»، قمت كثيراً بزيارة «مركز التميز للدفاع الإلكتروني التعاوني» التابع لحلف «ناتو» الذي يتمتع بموقع مناسب في تالين، إستونيا (عضو ناتو الذي عانى من هجمات إلكترونية كبيرة من المنظمات التي تتخذ من روسيا مقراً لها). وقد أخبرني المسؤولون الإستونيون أن الخط الفاصل بين أجهزة المخابرات الروسية وكثير من هؤلاء القراصنة عبارة عن غشاء سهل الاختراق، وأن استخدامها لتقويض رد الاعتداء الحيوي سيكون جزءاً مستمراً من كتاب قواعد اللعبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. علاوة على ذلك، على واشنطن الاستعداد للمشاركة وإلحاق العار بالجناة علانية. فرغم أن إدارة الرئيس جو بايدن لن ترغب في الكشف عن المصادر والأساليب السرية بشكل واضح، فإن عزو هذه الهجمات إلى فاعليها أمر بالغ الأهمية لتعبئة المجتمع الدولي ضد الدول التي تحمي المتسللين.
يمكن أن تكون العقوبات جزءاً من الحل، ويجب أن تستهدف المؤسسات والأفراد الذين يشكلون جزءاً من هجمات البنية التحتية وضوضاء الحماية من برامج الفدية. وعلى الولايات المتحدة أيضاً أن تنظر في طرد الدبلوماسيين أو الفاعلين التجاريين.
من الضروري استخدام «وكالة الأمن القومي» والقيادة الإلكترونية الأميركية بقوة أكبر في مواجهة المتسللين أنفسهم. فإذا هاجمت عصابة مخدرات شركة أميركية، فيمكنك المراهنة على أنه سيكون هناك رد فعل حكومي كبير موجه ضد أصول أباطرة المخدرات، وينتهي الأمر بكثير منهم في السجون الأميركية. تمتلك الولايات المتحدة قدرات يمكن استخدامها لملاحقة الأصول المالية للقراصنة وتحديد مواقعهم مادياً وفي الفضاء السيبراني، وتقليل قدرتهم على إجراء مثل هذه العمليات.
عندما يلاحق المتسللون الذين ترعاهم الدولة البنية التحتية الحيوية على وجه الخصوص، فإنهم يصبحون أهدافاً مشروعة للعمل العسكري المشترك بين الوكالات، تماماً كما اشتبكت البحرية الإسبانية مع «عوامات» الملكة إليزابيث.
أخيراً، إذا كان لدى الولايات المتحدة دليل مناسب لإظهار تواطؤ موسكو مع مجرمي الإنترنت، فعليها الرد بالمثل على المستوى الوطني.
كما الحال دائماً، هناك صعوبة في توجيه أصابع الاتهام وتحديد العلاقات بدقة، لكن عندما تكون البنية التحتية الحيوية لأميركا في مرمى النيران، فإنها تحتاج إلى الرد.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»