سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

فرسان البر وأمراء البحار: جامع العلوم العشرة

وأمضى أسد ست سنوات إضافية في مدينتي مكة والمدينة المكرّمتين، حيث درس اللغة العربية، والقرآن، والحديث، بالإضافة إلى التاريخ الإسلامي. وقادته هذه الدراسات إلى «قناعة راسخة بأن الإسلام، الظاهرة الروحيّة والاجتماعية، ما زال، رغم كل العوائق التي سببها نقص المسلمين، من دون منازع، أعظم قوّة دافعة اختبرتها البشريّة على الإطلاق». ومنذ حينها وحتى نهاية حياته، كان أسد يركز اهتمامه «على مشكلة تجديد الإسلام». وتعززت معرفته الأكاديمية للغة العربيّة، التي سهلت عليه لتشابهها مع اللغتين الساميتين الشقيقتين العبرية والأرامية، من خلال سفره على نطاقٍ واسع وعلاقته بالبدو العرب.
وبهدف دراسة الجماعات المسلمة والثقافات الموجودة أبعد في الشرق، ترك أسد المملكة العربية السعودية قاصداً الهند في عام 1932، وهناك التقى الفيلسوف والشاعر المعروف محمد إقبال، المنشئ الروحي لباكستان. وأقنع إقبال أسد أن يبقى «ليساعد في توضيح معلم الأسس الفكريّة للدولة الإسلامية المستقبليّة...»، وسرعان ما اكتسب أسد تقدير إقبال واستحسان الشعب، عقب نشره دراسة شاملة عن التحدّيات التي يواجهها المسلمون المعاصرون. ولكن حرّيته تقيّدت مع اندلاع الحرب العالميّة الثانية في عام 1939. وكان قد رفض جواز السفر الألماني بعد ضم النمسا إلى ألمانيا في عام 1938، مصرّاً على احتفاظه بالجنسية النمساويّة، فحبسه البريطانيون في اليوم التالي بعد اندلاع الحرب، معتبرين أنه «أحد رعايا دولة عدوّة»، ولم يطلقوا سراحه قبل عام 1945. وكان أسد المسلم الوحيد بين 3000 أوروبي معتقل في الهند.
انتقل أسد إلى باكستان بعد خلقها في عام 1947، وتكلّف من الحكومة صياغة أسس الدولة الجديدة الآيديولوجية. ومن ثمّ نُقل إلى وزارة الخارجية الباكستانية ليرأس قسم الشرق الأوسط فيها، حيث سعى إلى تقوية علاقات باكستان مع البلدان المسلمة الأخرى. وتوّج مسيرته المهنيّة الدبلوماسيّة بشغله منصب وزير باكستان المفوّض إلى الأمم المتحدة، منصبٌ استقال منه في عام 1952 ليكتب سيرته الذاتية «الطريق إلى مكّة».
وبعد أن أنهى كتابه، ترك أسد نيويورك في عام 1955 واستقرّ أخيراً في إسبانيا، ولم يتوقف عن الكتابة. وحين بلغ الثمانين عاماً، وبعد 17 عاماً من الجهد، أنهى العمل الذي كان يحلم به طيلة حياته، والذي كان يشعر أن كل حياته كانت فترة تدريبٍ له، ألا وهو عمل ترجمة وتفسير القرآن باللغة الإنجليزيّة. واستمرّ أسد في خدمة الإسلام حتى الرمق الأخير، حتى وفاته في إسبانيا في 23 فبراير (شباط) 1992.
ومع غيابه توفّي صحافيّ، ومسافر، وناقد اجتماعيّ، ولغوي ومفكر، وإصلاحيّ، ودبلوماسيّ، ومنظّر سياسيّ، ومترجم، وعلّامة كرّس نفسه لخدمة الله والبشريّة، ولعيش حياة مستقيمة.