د. سلطان محمد النعيمي
كاتب إماراتي
TT

مصطلح «التكفيريين» كنز النظام الإيراني الجديد

«(جنيف2) سيفشل، لأن البعض يحاول من خلاله تنصيب الإرهابيين والتكفيريين والمتطرفين في سوريا». كان هذا التصريح الذي أدلى به علي ولايتي، مستشار المرشد للشؤون الدولية ورئيس مركز البحوث الاستراتيجية التابع لمجمع تشخيص مصلحة النظام، هو أحدث التصريحات القادمة من إيران عند كتابة سطور هذا المقال، ولا شك أن الكثير من التصريحات قد تدفقت موظفة مصطلح التكفيريين وجاعلة من هذا المصطلح محورا لانطلاقها في رؤية الأحداث الحالية في المنطقة، وخصوصا فيما يتعلق بالمناطق التي تعد ذات اهتمام للنظام الإيراني.
والحقيقة أن المتتبع لوسائل الإعلام الإيرانية يلاحظ ذلك الزخم الإعلامي والاستخدام المكثف لما بات يعرف بمصطلح التكفيريين. هذا المصطلح الذي أصبح يأخذ أبعادا أخرى، دفعت بدورها إلى ضرورة إلقاء الضوء على ذلك التوظيف الذي تستخدمه وسائل الإعلام الإيرانية.
وفي واقع الأمر لا يتوقف توظيف هذا المصطلح عند حد الإعلام الإيراني، بل إن للمسؤولين الإيرانيين تصريحاتهم الكثيرة في هذا الشأن، حيث يرى المرشد آية الله علي خامنئي، أن الجماعة التكفيرية تشكل خطرا كبيرا على العالم الإسلامي. إمام جمعة طهران المؤقت إمامي كاشاني وصف التكفيريين بأنهم ليسوا شيعة ولا سنة ولا مسلمين، وإنما هم صهاينة بكل ما للكلمة من معنى. كما أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قد أشار كذلك إلى أن كل الدول حكومات وشعوبا تتفق على مكافحة هذا التيار المنحرف. ويرى كذلك رئيس المجلس الأعلى للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب محمد علي تسخيري ضرورة إدانة كل علماء الإسلام لهذه الحركة غير المتعقلة، ومنع أنشطة وفعاليات الجماعات التكفيرية.
والحق أن مثل هذه التصريحات تتسق تماما مع توجهات مختلف الدول العربية والإسلامية في ضرورة مواجهة مثل هذا الفكر المتطرف، الذي عانت منه دول كثيرة خليجية وعربية على حد سواء.
تنطلق الإشكالية هنا في توظيف هذا المصطلح من قبل النظام الإيراني ووسائل الإعلام في إيران، باعتبار أن هناك دولا حاضنة لهذا الفكر وهي من تدعم توجهاته ونشاطاته. فالمرشد آية الله علي خامنئي، وبالإضافة إلى ما ذكره سابقا، أعرب عن أسفه باعتبار أن بعض الدول الإسلامية لم تدرك بعد تبعات دعم هذه الجماعة. يأتي بعدها مساعد وزير الخارجية الإيراني في الشؤون العربية والأفريقية حسين أمير عبد اللهيان، ليحذر جميع الأطراف الداعمة للتيارات التكفيرية في المنطقة من اللعب بالنار.
ولكي لا نخرج هذا التوظيف عن سياقه العام، ويبقى سياق التحليل في قالب الحياد، نقول نعم لقد ظل النظام الإيراني يطلق هذه التصريحات بين الفينة والأخرى، غير أن الأزمة السورية وظهور المعارضة في مواجهة نظام بشار الأسد، وتجلي ما عرف بثورات الربيع العربي وإطلاق النظام الإيراني عليها بثورات الصحوة الإسلامية، ومن ثم اختلاف المنظور الإيراني في نظرته للثورة السورية عن نظيراتها، قد دفع وبلا شك بهذا النظام إلى السعي لخلق المبررات في تباين مواقفه. فوجد من الثورة السورية أنها ثورة منقادة من الخارج واعتبار تلك المعارضة غير حقيقية ولا تمثل الشعب السوري. وهو ما دفع به إلى عقد مؤتمرات مستضيفا فيها من أطلق عليهم بالمعارضة الحقيقية.
ومع تأزم الموقف في سوريا وإعلان جبهة النصرة مبايعتها لتنظيم القاعدة، ومن ثم ظهور «داعش» في سوريا، سار المسؤولون في النظام الإيراني نحو تكثيف استخدام مصطلحات من قبيل الجماعات الإرهابية لتخرج في نهاية المطاف باتجاه تحقيق هدف واحد وهو نزع الشرعية من المعارضة السورية، وحصرها جميعا في دائرة واحدة وهي دائرة التنظيمات الإرهابية فقط. لم يتوقف هذا الأمر عند وصف المعارضة السورية المسلحة بالجماعات الإرهابية، على الرغم من التباين الآيديولوجي بين فصائلها، بل بدأ مصطلح التكفيريين ودعم دول خليجية له يسوق في الإعلام الإيراني، ويجري على ألسنة المسؤولين الإيرانيين، ولم يكن كما قال آية الله كاشاني سابقا بأن التكفيريين ليسوا شيعة ولا سنة ولا مسلمين، وإنما هم صهاينة بكل ما للكلمة من معنى، بل بدأت التصريحات القادمة من إيران تصف التكفيريين بأنهم سلفيون، وأن هناك دولا بعينها تقف وراءهم.
وما كان من نظام بشار الأسد أن يفوت هذه الفرصة، فنزع الشرعية من المعارضة السورية المسلحة ووصفها بالإرهاب، لا شك أنه سيكون له أصداؤه المؤثرة على مستوى الدعم الدولي لموقف المعارضة، ويأتي بشار الأسد ليصرح بأنه لا يوجد ما يعرف بالمعارضة، وأن ما يواجهه النظام السوري هو التنظيمات الإرهابية.
وبذلك اتجه النظام السوري إلى «جنيف2» وهدفه الأساسي يتمثل في أمر واحد، وهو مواجهة التنظيمات الإرهابية في سوريا من دون أن يكون في منظور هذا النظام أي تباين بين التنظيمات المسلحة على الأرض. ويأتي بعدها التصريح الذي بدأنا به هذا المقال بقول ولايتي، إن أي حكومة انتقالية أو بديلة عن الحكومة الحالية هو تنصيب للإرهابيين والتكفيريين، لتؤكد الكنز الثمين الذي تلقفه النظام الإيراني بمبايعة جبهة النصرة لتنظيم القاعدة ودخول «داعش» ساحة المعركة، ليجعل من مسألة تشكيل حكومة انتقالية بكامل الصلاحيات أمرا مغيبا ولن يتحقق. استمرار الموقف الروسي حيال سوريا وإعطاء النظام الإيراني مظلة دولية ليعزز من موقفه هناك، بالإضافة إلى عدم وجود تفاهمات حقيقية بين روسيا والولايات المتحدة حيال هذه الأزمة، سيدفع بالوضع لأن يبقى كما هو عليه، وما هي إلا فترة وجيزة وسنرى أن اللقاءات والتحليلات عن الشأن السوري تصب في ما إذا كان بشار الأسد سيترشح لرئاسة جديدة أم لا، وليس في إمكانية تشكيل حكومة انتقالية من عدمه.
التوظيف السياسي لمثل هذه المصطلحات هو أمر جلي. فلا يختلف أحد مع النظام الإيراني على خطر التنظيمات الإرهابية، بل يجب أن تتكاتف الدول لمواجهتها. ولكن لنطرح هذه التساؤلات: هل من المنطق أن يطلق على جميع المعارضة السورية تنظيمات إرهابية؟ أين كانت بعض قيادات تنظيم القاعدة عندما عانت المملكة العربية السعودية من تفجيرات ذلك التنظيم وعملياته الإرهابية؟ جميعنا نتفق على نزع الشرعية عن التنظيمات الإرهابية في سوريا مثل «داعش» وجبهة النصرة، ولكن ماذا عن بقية التنظيمات التي توجد في الساحة السورية ومنها حزب الله؟
فهل من مجيب؟