مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

هل نحن على أعتاب مواجهة عسكرية؟

بعد أن سرّبت وسائل إعلام إسرائيلية أن حكومة تل أبيب هاجمت منشأة «نطنز» النووية الإيرانية بطريقة غير معروفة، بدأت تتوسع حرب الناقلات بين البلدين وهاجمت كل دولة منهما الأخرى من دون تأكيد عن هذه الهجمات من أي طرف، إضافةً إلى قيام إيران بتعديل نسبة التخصيب المزمع تنفيذها إلى 60%، أي لمستوى يعد على أعتاب تصنيع سلاح نووي، وهذا ما أكدت القوى الغربية حجم خطورته.
أيضاً أعلنت تل أبيب أنها لن تسمح بوصول إيران لهذا المستوى من القرب لتصنيع سلاح نووي قد يُشعل السباق النووي في المنطقة، وهو ما يعزز الاحتمالات بنشوب مواجهات عسكرية بين إيران وإسرائيل وقد تتدخل قوى غربية وتحديداً أميركا.
في هذا الإطار تتجلى قضية أخرى وهي: إلى أي عمق تنال الحروب من أساسيات الحياة الاقتصادية والاجتماعية؟ فهناك مشكلة حول كسر حاجز تطورات ملف إيران النووي ورفعهم للتخصيب، وهذا قد يكون نذير حرب أو صدام عسكري بين البلدين بدايةً من حرب الناقلات إلى ضرب مفاعل «نطنز»، وذلك باستهداف سفينة إسرائيلية بصاروخ إيراني قبالة سواحل الإمارات، وهو الأمر الذي يعد امتداداً لما حدث في الأسبوع الأول من أبريل (نيسان) ونهاية شهر مارس (آذار) الماضيين، إذ تم استهداف عدة سفن إيرانية في البحرين الأحمر والمتوسط، فليس هناك مَخرج لإيران سوى استهداف سفينة شحن إسرائيلية في بحر العرب بصاروخ أطلقه «الحرس الثوري» الإيراني عليها، وهذا يعني رد فعل سريعاً على تفجير «نطنز» النووي الذي اتهمت إيران إسرائيل بالوقوف خلفه، حتى يخرج إلى النور المزيد من الأدلة، وتوجهاً ثانياً يركز على قدرتها بإلحاق الضرر بمصالح إسرائيل في المنطقة.
أيضاً أفاد البيان الصادر عن وزارة الخارجية السعودية، بأن إعلان إيران رفع نسبة التخصيب إلى 60% «لا يمكن عدّه برنامجاً مخصصاً للاستخدامات السلمية»، ولذا دعا البيان طهران إلى الانخراط بجدية في المفاوضات الجارية حالياً، وتفادي التصعيد وعدم تعريض أمن المنطقة واستقرارها لمزيد من التوتر. وشدد البيان على ضرورة توصل المجتمع الدولي إلى اتفاق بمحددات أقوى وأطول مع تنفيذ إجراءات الرصد والمراقبة، وأن يؤخذ في عين الاعتبار القلق العميق لدول المنطقة من الخطوات التصعيدية التي تتخذها إيران.
وبالنسبة إلى الدول الأوروبية المرتبطة مع إيران بالاتفاق النووي (فرنسا وبريطانيا وألمانيا)، فقد وصفت قرار إيران رفع نسبة التخصيب بـأنه «تطور خطير، كون تخصيب اليورانيوم بدرجات عالية يشكل خطوة مهمة نحو إنتاج سلاح نووي». وقالت الدول الثلاث، في بيان، إن إيران «لا تملك سبباً مدنياً وجيهاً لتخصيب اليورانيوم بهذا المستوى». وبهذه الطريقة ترى هذه الدول أن «القرار الإيراني مؤسف، خصوصاً أنه يأتي في وقت تجري فيه محادثات مكثفة بين الموقّعين على الاتفاق النووي والولايات المتحدة بهدف إيجاد حل دبلوماسي سريع لإعادة إحياء الاتفاق».
ويجري هذا بينما تُستأنف المفاوضات حول النووي الإيراني في فيينا وسط أجواء من التوتر لإنقاذ الاتفاق النووي مع إيران الذي أصبح في حالة من الفتور، وسط إشارات بأن «إيران تضغط على الجميع». ويرى خبراء أنه كلما طال أمد المحادثات ازداد خطر عرقلتها، في وقت تنتهج فيه إيران قاعدة الحرب لا تُكسب بالقوة بل بالخداع وعدم الاستعجال، وترى أن الحرب المثالية هي الحرب الطويلة التي تستنزف المنتصر والخاسر.
لكن هناك ما هو أكثر تأثيراً من الدعاية الإيرانية لجعل العالم يتقبل نشاطها النووي بمزيد من الضجيج وتتقدم بشكل استعراضي وهي تزحف بعيداً عن ميدان القتال وتجنّد ميليشياتها وأحزابها خارج الحدود لخوضها، لذلك تعمل على جذب الأنظار إليها لتبدو أنها ليست هدفاً سهلاً لإسرائيل، حتى وإن كانت الظروف غير مواتية من جميع النواحي، خاصة وهي تعيش حالة مزرية من الانهيار الاقتصادي حيث خسرت عملتها زهاء 49% من قيمتها في 2020 بعدما أسهم تراجع أسعار النفط في الأزمة الاقتصادية بإيران التي سجلت أيضاً أكبر عدد للوفيات بفيروس «كورونا» في الشرق الأوسط.
مَن يعرف كل هذه النقاط جيداً، يتساءل: كيف يمكن أن تكون آثار أي حرب على المنطقة؟ وهو يعي أن إيران لا تتصرف بمسؤولية وتسهم أكثر بفوضى عارمة في المنطقة وجرّها لساحة صراع أوسع بكثير مما هو قائم بها من صراعات، وبذلك تتحمل المسؤولية في المقام الأول عن كل قطرة دم تراق بالمنطقة وحالة التهجير في كلٍّ من سوريا والعراق واليمن وخراب لبنان اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، وها هي الآن ترفع من درجة الخطر باحتمال نشوب حرب إذا لم تتوقف عن استفزازها للمجتمع الدولي والمنطقة.