جيمس ستافريديس
- أميرال بحري متقاعد بالبحرية الأميركية وقائد عسكري سابق لحلف الناتو وعميد كلية فليتشر للحقوق والدبلوماسية بجامعة تافتس < بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

بوتين يضع عينيه على أوكرانيا

تقوم روسيا في الوقت الحالي بحشد قوات يقدَّر قوامها بما لا يقل عن 200 ألف جندي على طول حدودها مع أوكرانيا. هل الرئيس فلاديمير بوتين يختبر واشنطن ويسعى للضغط على الولايات المتحدة للتراجع عن قرار فرض عقوبات جراء إقدام روسيا على تسميم وسجن زعيم المعارضة أليكسي نافالني واختراق شركة «سولار ويندز»؟ أم أنه يستعد بالفعل مرة أخرى لغزو دولة ذات سيادة واقتطاع قسم أو قسمين آخرين من أراضيها؟ كيف يمكن لإدارة الرئيس جو بايدن ردع انتهاك آخر للقانون الدولي؟
على الرغم من أن أوكرانيا ليست جزءاً من منظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، فعندما زرتها كقائد أعلى للحلفاء في عام 2013 وجدت شريكاً راغباً بدرجة كبيرة في وجود القوات المسلحة الأوكرانية. فبعد اجتماعات رفيعة المستوى في كييف، توجهت جنوباً حيث الجزء الأفضل من الرحلة، في زيارة استضافها قائد البحرية الأوكرانية في قاعدتهم البحرية الرئيسية، في شبه جزيرة القرم الحيوية استراتيجياً.
توجهنا بالسيارة وسط قافلة من سيارات الدفع الرباعي السوداء، لكن كان لدينا الوقت للتوقف عند عدد من ساحات القتال في «حرب القرم»، بما في ذلك «وادي الموت»، حيث «لواء الضوء البريطاني» الذي خلّدته قصيدة اللورد تينيسون الشهيرة. أتذكر أنني كنت أفكر في ذلك الوقت كيف بدت شبه الجزيرة صغيرة وكم كان من السخرية أن القوى العظمى في ذلك الوقت -الإمبراطوريات البريطانية والفرنسية والعثمانية والروسية- كانت في يوم من الأيام محاصرة في حرب دموية محبطة على تلك البقعة الصغيرة من منطقة بارزة في البحر الأسود.
كانت أوكرانيا في عام 2013 شريكاً قوياً مع حلف «ناتو»، وأرسلت بقوات إلى بعثاتنا في أفغانستان والبلقان، وكانت تفكر في إرسال سفينة حربية في مهمة «ناتو» لمكافحة القرصنة قبالة شرق أفريقيا. ومع ذلك، في العام التالي غزا بوتين أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم، ليتسبب في زعزعة استقرار الأمة بأكملها من خلال تمويل المتمردين في منطقة «دونباس»، وإغراق البلاد بجوازات السفر الروسية، واستخدام مجموعة من القوات الخاصة بزي رسمي غير مميز، وشن هجمات سرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفرض حصار بحري.
في تلك الزيارة عام 2013 أتذكر قائد البحرية، وهو أميرال لطيف، تأسف لوجود السفن الحربية الروسية في ميناء سيفاستوبول، عندما قال: «ذات يوم، سوف يستولي الروس على قاعدتنا بسهولة، وسنكون محظوظين إذا لم يستولوا على البلاد بأكملها».
اعتقدت أن القائد البحري كان يحذّر من خطر داهم، حيث إنني أدرك الآن أننا لم نفعل ما يكفي لردع بوتين، والدرس بالنسبة لي هو أننا بحاجة إلى بذل المزيد الآن إذا كنا لا نريد تكرار غزو 2014. يريد بوتين قائمة من المأكولات الشهية: شريحة أخرى من أوكرانيا من شأنها أن تربط مباشرةً شبه جزيرة القرم بأرض روسيا. دولة تابعة ناطقة بالروسية في منطقة «دونباس»، جزء من أوكرانيا التي تخشى السعي للحصول على عضوية الناتو، في محاولة لأن يُظهر لشعبه أنه يدفع بالقومية الروسية حول ما يسمونه «الخارجي القريب»، في إشارة إلى الغرب، بأن المزيد من العقوبات لن يؤدي إلا إلى مزيد من المشكلات في الجوار.
هل سيقْدم بوتين على الغزو مرة أخرى؟ النبأ السار هو أنه يبدو أقل احتمالاً مما كان عليه في عام 2014، فالقوات المسلحة الأوكرانية أفضل تسليحاً وتدريباً إلى حد كبير بمساعدة الولايات المتحدة. لكن مع بوتين، فأنت لا تعلم أبداً، وقد يعتقد أن الاضطرابات والانقسامات الداخلية في الولايات المتحدة، إلى جانب التحديات الواضحة للوباء على جانبي المحيط الأطلسي، تشكّل مصادر تشتيت كافية. فقد قدم بوتين رهانات مماثلة من قبل -في سوريا وجورجيا وكذلك شبه جزيرة القرم- وهو على استعداد لاغتنام الفرصة والتعامل مع العواقب لاحقاً.
إن أفضل مسار لفريق بايدن هو النظر في عيون الرجل الذي وصفه الرئيس الأميركي بشكل صحيح بأنه «قاتل» وأمعن في وصف خدعته. وهذا يعني توفير المزيد من الأسلحة الهجومية لأوكرانيا، خصوصاً الصواريخ المضادة للدبابات والمضادة للدروع، وتدريب القوات المسلحة الأوكرانية بشكل مباشر من قِبل القيادة الأوروبية الأميركية. وهذا يعني أيضاً إرسال سفن حربية تابعة للبحرية الأميركية للعمل في البحر الأسود (يقوم البنتاغون الأسبوع الجاري بنقل مدمرتين من البحر الأبيض المتوسط عبر مضيق البوسفور، وهو ما وصفه نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف بأنه أمر «استفزازي للغاية»)، وكذلك فرض عقوبات إضافية على روسيا بشكل عام وعلى رفاق بوتين بشكل خاص رداً على القرصنة الإلكترونية التي تعرضت لها شركة «سولار ويندز» وعملية التسميم التي تعرض لها نافلني، ومواصلة مشاركة «ناتو» مع أوكرانيا، بما في ذلك وضعها على جدول العضوية، تمهيداً للانضمام إلى الحلف.
لا يتعلق الأمر فقط بأوكرانيا إذ إن هناك مخاطر أكبر في النظام الدولي. فمن المؤكد أن الصين تراقب كيف يستجيب الغرب في أوروبا الشرقية بينما تسعى الولايات المتحدة في نفس الوقت للحفاظ على استقلال تايوان.
لذلك تحتاج أميركا وحلفاؤها إلى الوقوف بحزم في مواجهة التعبئة الروسية على الحدود الأوكرانية، لأنه ليس من الملائم أبداً الاستسلام عندما يبدأ المتنمر في الظهور.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»