حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

سلاح الصين الجديد!

لم يعد خافياً على أحد اليوم وجود حرب باردة وواضحة بين الولايات المتحدة والصين الشعبية؛ حرب تزداد دفئاً مع مرور الوقت، مع توقعات الكثيرين من المتابعين والمهتمين والمحللين بأن تحدث مواجهة عسكرية بين البلدين أو صدام رمزي على أقل تقدير.
هذا من الممكن حصوله، ولكنه لن يكون موقع المعركة الرئيسي بينهما. فعلى ما يبدو أن الصين قررت أن تواجه أقوى سلاح في الترسانة الأميركية الفعالة والمؤثرة، والمقصود هنا هو الدولار الأميركي، الذي يمكّن أميركا من السيطرة الفعلية والعملية على الاقتصاد العالمي والحراك المالي فيه؛ لذا قررت الصين أن تواجه هيمنة الدولار الأميركي على اقتصاد العالم بما في ذلك الاقتصاد الصيني نفسه، وذلك بإطلاق عملة الصين الرقمية. فلقد أعلن بنك الصين الشعبي مؤخراً عن أول عملة رقمية يسيطر عليها البنك المركزي. واليوان الرقمي هو عملة افتراضية تماماً برعاية الحكومة الصينية نفسها لأجل تتبع العمليات المالية كافة بمختلف أنواعها، وبالتالي ستعرف الدولة بأجهزتها المختصة التفاصيل الكاملة والدقيقة لمشتريات كل مواطن فيها.
الصين بتلك الخطوة اعتبرت ثاني دولة في العالم تتبنى العملة الرقمية وذلك بعد جزر الباهاما. وتنوي الصين أن تقوم بفصل تام لليوان الرقمي عن النظام المالي العالمي حتى يبتعد تماماً عن هيمنة وسيطرة الدولار الأميركي عليه. وهذا المشروع استغرق أكثر من سبع سنوات من الدراسة والتخطيط والتجهيز والإعداد من قبل الحكومة الصينية. وهناك اعتقاد كبير بأن الهدف الأهم من هذه الخطوة الكبيرة هو الحصول على فرصة سيطرة وتحكم أكبر وبشكل مركزي على التداولات المالية، وبالتالي استبدال عدد مهم ولافت من العملات المتداولة اليوم؛ لأنها وببساطة ستكون العملة الأكثر توفراً والأسهل تداولاً والأكثر أماناً بالنسبة للمستخدمين والحكومات والدوائر الأمنية، أو على الأقل هذا ما تعد به الحكومة الصينية.
بدأت المحال التجارية وسلاسل الامتياز التجاري مثل «ستاربكس» و«ماكدونالدز» في قبول العملة الجديدة لاعتماد المعاملات التجارية بهما في المنافذ الصينية بشكل عام. يشمل توزيع اليوان الرقمي نظاماً من مستويين يتم توزيعهما على البنوك التجارية، التي ستكون مسؤولة لاحقاً عن توفير العملة بشكل قانوني وتجاري في أيدي أكبر قاعدة ممكنة من المستهلكين مع توضيح بأن دور البنك المركزي الصيني سيكون منفصلا ولن يكون بأي حال من الأحوال في منافسة مع البنوك التجارية. وهناك اعتقاد متزايد بأن الانتشار لليوان الرقمي الذي من الممكن أن تفرضه الصين، بحكم حصتها المتزايدة في كعكة الاقتصاد الدولي الكبرى والمتشابكة كثاني أكبر اقتصاد في العالم، سيكون له تأثير كبير جداً وغير مسبوق أبداً على هيمنة الدولار الأميركي ومحافظته على المكانة التقليدية التي بقي عليها لسنوات طويلة.
العملات الرقمية كثيرة جداً اليوم، وتزداد عدداً مع مرور الوقت، وها هي الدول المختلفة وبنوكها المركزية تبدأ في تبني التعامل معها واعتمادها كأمر واقع بعد فترة من التردد والإنكار. بحسب نايل فيرغيسون، المؤرخ المعروف وأحد أهم من كتب في تاريخ المال ونشأته حول العالم، وصاحب الكتاب المشهور والأكثر مبيعاً «صعود المال»، وذلك بقوله «عندما تذهب اليوم لأي محل تجاري لسداد فاتورة طلبك سيسألونك كيف تحب أن تسدد المبلغ، والخيارات التقليدية هي نقداً أم ببطاقة اعتماد أم شيكاً»، ويؤكد فيرغيسون أن خيار العملة الرقمية سيضاف إليهم جميعاً، ومع الوقت ستكون هي الخيار الأكثر انتشاراً وتأثيراً وفاعلية.
معالم عالم العملات الرقمية يزداد وضوحاً وتكويناً بالتداول الهستيري لعملة بِتكوين والصعود الجنوني لقيمتها الذي أدى إلى سحب سائر العملات الرقمية معها. أنه الواقع الجديد. وعلى ما يبدو أن الصين وجدت ضالتها في مناخ العملة الرقمية الجديد واعتبرتها فرصتها للخروج من عباءة هيمنة وسيطرة الدولار الأميركي الذي يحد من آمال وطموحات الصين السياسية والاقتصادية.
الولايات المتحدة تدخل متأخرة على عالم العملات الرقمية، كما حصل معها فيما يتعلق بشبكة الاتصالات من الجيل الخامس، والقطارات الحديثة الفائقة السرعة؛ ولذلك يتابع العالم بشغف شديد ردة الفعل منها للدفاع عن عملتها في ظل منافس غير تقليدي وخصم تخوض معه حرباً باردة تزداد شراسة كل يوم.