زين العابدين الركابي
كاتب سعوديّ
TT

على هوامش «جنيف 2»

من خلال بث الأماني العراض والمآلات العذاب، رفع الإعلام السياسي سقف التوقعات الإيجابية لنتائج «جنيف 2» الذي انعقد بقصد إيجاد حلول للأزمة السورية.. نعم. رفع هذا السقف من دون حسبان الأسباب الموضوعية لأي توقعات من هذا النوع، والأسباب الموضوعية هي:
أ - امتلاك رؤية صحيحة لطبيعة الصراع وتعقيداته ومخارجه.
ب - أجندة واضحة تتمثل فيها تلك الرؤية.
ج - إدارة ماهرة لإدارة المباحثات بين الطرفين المتنازعين، فقد تصح الرؤية والأجندة، ولكن الإدارة السيئة أو غير الماهرة تجهض ذلك كله.
ومما أوحى بالأماني العراض: التخيل المسرف، مثلا، لاتفاق «روسي - أميركي» كفيل بأن يذلل كل عقبة، ويسهل كل صعب في طريق المباحثات بين الأطراف المتصارعة.
لسنا من الذين ينفون، بإطلاق، مثل هذا الاتفاق الثنائي بين الروس والأميركان، ولكننا من الذين يجردونه من الخيال والوهم اللذين ينبني عليهما ما لا ينبغي أن يبنى.
في ظل هذا التصور نكتب السطور الآتية كهوامش لمؤتمر «جنيف 2».
1 - الهامش الأول: أنه يمكن القول إن كلا الطرفين المتنازعين قد حصل على مكاسب نسبية:
أ - فمن مكاسب النظام السوري شعوره من خلال «جنيف 2» بأنه نظام باق، أو أن الإجماع السابق على زواله قد انخرم أو ضعف؛ فكون المعارضة تجلس معه وتحاوره في جنيف، فهذا - في حسابه - موقف يتضمن قدرا من الاعتراف بشرعيته التي دأبت المعارضة على تجريده منها.. وكان النظام السوري يعاني، عبر سنوات ثلاث، عزلة دبلوماسية وإعلامية. وقد أتيح له في جنيف الثانية كسر هذا الحصار الدبلوماسي والإعلامي، فمن الواضح، مثلا، أن النظام السوري قد خطط لحملة إعلامية واسعة النطاق، ونفذها على مستوى العالم. وهو يعد ذلك مكسبا.
ب - ومن مكاسب المعارضة اعتراف النظام بها بعد أن ظل يكرر، بلا انقطاع، عبارة «ما سمي بالمعارضة» - تجاهلا لوجودها واستخفافا بوزنها وتأثيرها - بيد أن النظام في جنيف تقبل أن يجلس معها كطرف سياسي واقعي معترف به رسميا من قبل النظام نفسه.. وهذا مكسب ضخم للمعارضة بلا شك
2 - الهامش الثاني: أنه لم تكن هناك «ورقة جيدة» تقود المباحثات في طريق واضح وإيجابي وهادف.. ومن طبيعة الناس في مؤتمرات كهذه أنهم يميلون إلى طرح انطباعات ومطلقات عامة ينقصها التحديد والدقة والواقعية.. وما لم يكن هناك شيء مكتوب بوضوح ودقة يلزم المجتمعين ويضطرهم إلى المشي في اتجاه جبري (كما تقول بعض لوائح المرور أحيانا) فإن مسار المحادثات سيكون سبهللا وفرطا.
من الذي كان عليه أن يحضر هذه الورقة؟
الراعيان (الروس والأميركان) على الأقل، ولكنهما لم يفعلا، ومن ثم فليس من الظلم لهما وصف حالتهما هذه بالفشل أو بعدم الجد.
3 - الهامش الثالث: أن القضية الكبرى والأخطر في العالم قد تراجعت وهي قضية «الإرهاب».. تراجعت من حيث إن طرحها في جنيف تكتنفه ظلال شتى قد تصبح - في حالة اتخاذ قرار - في صالح الإرهاب!
4 - الهامش الرابع: أنه في مناخ جنيف حصل تبدل مثير جدا في العلاقة التركية - الإيرانية؛ فمن خلال زيارة رئيس وزراء تركيا رجب طيب إردوغان لإيران تبدى ما يلي:
أ - استقبال حار وغير عادي من القيادة الإيرانية لضيفهم إردوغان.
ب - وصف مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي العلاقة الإيرانية - التركية بأنها «منقطعة النظير»!!
ج - إما إردوغان فقد قال، للوزراء من الجانبين: «أتصور أنكم في مجلس وزراء واحد، وإني أقترح تكوين مجلس وزراء مشترك في مجال الاقتصاد والتجارة والطاقة وجميع الشؤون الحيوية».
فماذا وراء هذا التبدل التركي؟
هل السبب هو الحراك الداخلي ضد حزب العدالة والتنمية الذي يقوده إردوغان، ولا سيما أن هناك اتهاما بفشل السياسة الخارجية التركية تجاه ملفات كثيرة؟
هل السبب هو حسابات الانتخابات البرلمانية التي يقترب موعدها؟
هل السبب هو «الاقتصاد»؟ ففي السنوات الأخيرة ضعفت المؤشرات التي تشير إلى تقدم الاقتصاد التركي.. وهذا أمر مفزع بالنسبة إلى حزب العدالة والتنمية الذي بنى شعبيته وصعوده على أساس تحسن ملحوظ ومتلاحق في الاقتصاد التركي، وهل يدخل في ذلك مبشرات إردوغان بأن حجم التعامل الاقتصادي والتجاري (بين البلدين) سيبلغ ثلاثين مليار دولار عام 2015؟
ويلحظ ههنا أن جنيف السوري قد سبقه «جنيف الإيراني»، ونعني بذلك الاتفاق المبدئي بين إيران وبين المجموعة الدولية الفاعلة على نوع من التسوية لملف النووي الإيراني.
إن هذا الاتفاق أذاب الجليد بين أميركا وإيران. ومن هنا يرد سؤال: هل لذلك علاقة بتشجع القيادة التركية على التوجه نحو إيران؟
نحن لا نتهم أحدا بالتبعية، بيد أنه لا يمكن تجاهل الآثار والإسقاطات التي أثمرها التحسن النسبي في العلاقة بين أميركا وإيران.
مهما يكن من شأن، فقد انتهى «جنيف 2» إلى ما انتهى إليه، أي دون إيقاف لأهوال سفك الدم والتدمير والهدم والتشريد في سوريا.
انتهى «جنيف 2» ورجعت الوفود والكاميرات إلى أماكنها. أما الشعب السوري فلم تنتهِ مأساته؛ فهو الخاسر على كل حال!!
فمتى يزول الكرب النازل بالشعب السوري؟