طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

نظرية «الفأر الذكي»

تكرر اسم فئران الاختبار، والعلماء يبحثون عن مصل واقٍ لـ(كورونا)، ولا بأس من أن نستعيره من المعمل أو بالأحرى نتقمص شخصيته، قرأت قبل أيام على صفحات (الشرق الأوسط) أنهم اكتشفوا أن فأر المنازل بحكم العشرة مع الإنسان، اكتسب قدراً من الذكاء - مشيها ذكاء - في التعامل مع كل متغيرات الحياة لتجنب شراسة البشر، كل شيء لدى الفأر يمارسه بتأنٍ، فهو لا يكتفي مثلاً بالصمت التام حتى يخرج من مكمنه، ولكنه، يبدأ بحركة خفيفة يعقبها صمت تام، وبعد عدة اختبارات بين الحركة والصمت، يمارس حياته الطبيعية، موقناً أن لا أحد يترصده، مطبقاً سياسة (الخطوة خطوة).
هل تسلل يوماً فأراً إلى منزلك، وأحضرت له عشرات من أنواع السموم، ووضعتها بعناية وذوق على طعامه المفضل، ثم انتظرت أن تعثر على جثة الفأر، إلا أنك اكتشفت أن الفأر تزداد حركته ويزداد أيضاً وزنه ويخرج لك وبكل تحدٍ ذيله؟!
تعود الفأر بحكم التجربة، ألا تخدعه المأكولات الشهية التي تُقدمها له (ديليفري)، هناك خبرات مكتسبة للحيوانات، تجعلها تستشعر الخطر المقبل وتستعد أيضاً لمواجهته، المائدة الحافلة، التي نضعها داخل المصيدة ونحن مطمئنون أننا سنقنع الفأر بالدخول إليها، نكتشف أنها قائمة على خبرة بشرية، بينما هم يطبقون بحرفية نظرية (قليل من الحذر مطلوب)، قد يجرب فأر كبير الطعام لأول مرة بكمية ضئيلة جداً، ربما تصيبه مثلاً بتلبك معوي، ولكنها بالتأكيد لن تقضي عليه، ويستطيع بعد ذلك أن يؤكد لأبنائه وأحفاده أنه قد ضحى بنفسه لإنقاذهم، أهم خطوة ضبط حالة النهم، انتظاراً لما تسفر عنه هذه الكمية المحدودة التي تناولها، فإذا وجد أن الطعام شهي ولم يحدث له مكروه، فسوف يواصل الأكل ويدعو الجميع لتلك الوليمة.
المسلسلات سوف تنهال علينا بعد أقل من أربعة أسابيع في رمضان، وأنا بحكم الخبرة، لدي خطة صرت أطبقها بدقة في السنوات الأخيرة، أطلق عليها نظرية (القضمة الدرامية)، وحان الآن وقت الكشف عن تفاصيلها، خصوصاً مع اقتراب بشائر الشهر الفضيل، أمسك جيداً بـ(الريموت كونترول) وتنقل برشاقة بين المادة الدرامية والبرامجية، على مختلف القنوات، ولا بأس من قضمة هنا وقضمة هناك، الحلقات التلفزيونية عادة تتكرر فيها المواقف، ولو فاتتك معلومة في حلقة ستجدها في الثانية. هناك نجوم بحكم الزمن، صنعوا معنا تاريخاً مشرفاً عبر تراكم السنوات، طبعاً هؤلاء لهم خصوصيتهم في صدارة الاهتمام، ولكن تلك المكانة لن تستمر حتى النهاية، ولو لم يقدم النجم المخضرم ما يستحق، فيكفيه فقط الأسبوع الأول، من الممكن أن تولي وجهك شطر أي عمل فني آخر، لفنان جديد لم يصنع تاريخاً بعد، إلا أن من حقه عليك أن تشاركه في صناعة تاريخه.
لا أحد من الممكن أن يلتهم كل هذه الأطباق الرمضانية دفعة واحدة، بحجة أنه في حالة شوق ونهم، من الناحية الطبية ينصح المتخصصون بألا تزيد ساعات المشاهدة يومياً على ساعتين، وإلا فإن المشكلات الصحية والنفسية رهيبة، وبالطبع لا أحد يلتزم بالنصيحة، لا في رمضان ولا شوال، ولكن حتى لو زادت المساحة إلى 24 ساعة يومياً، لن تستطيع أن تشاهد أكثر من جزء بسيط جداً مما تقدمه كل الفضائيات الناطقة بالعربية، الاختيار ضرورة ولا وسيلة للتغلب على ذلك إلا بالرجوع إلى حكمة الفأر الذكي، و(اسأل مجرب)!!