جون أوثرز
كاتب من خدمة «بلومبرغ»
TT

هوس التضخم وزيادة سرعة تقلب الأسعار

عليك من الآن الاستعداد لأسبوع آخر من هوس التضخم. فبعد محاولة الأسبوع الماضي لتهدئة الحديث من قبل «البنك المركزي الأوروبي»، تنعقد الأسبوع الجاري اجتماعات حول السياسة النقدية من قبل «بنك الاحتياطي الفيدرالي»، بالإضافة إلى «بنك إنجلترا» و«بنك اليابان». فإذا كان أي منهم يميل إلى تكييف سياسته مع ما يرون أنه تضخم مقبل، فسوف يتعيَّن عليهم البدء في إخبارنا بذلك.
أشك في أنهم سيشعرون باحتياج كبير للإشارة إلى تغيير في السياسة، إذ إن السوق لن تمنحهم أي خيار سوى التعليق على تحول مذهل في التوقعات. فسوف يبدأ الأسبوع بعوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات عند أعلى مستوى جديد بعد الإغلاق عند 1.63 بالمائة. وفي الوقت نفسه، بلغت معدلات التضخم لعشر سنوات أعلى مستوياتها منذ عام 2014.
في كلتا الحالتين، تظل هذه المستويات منخفضة تاريخياً، ولا ينبغي أن تقلق البنك المركزي أو تعني أنه يقصد أن يتجاوز معدل التضخم البالغ 2 في المائة لفترة من الوقت. فلا تزال المقاييس الفعلية لأسعار المستهلك غير ملحوظة، وهي أقل بكثير من 2 في المائة، لكن التحول في سيكولوجية السوق كان سريعاً للغاية في ظل مناقشة احتمال العودة إلى التضخم البطيء طويل المدى في كل مكان. لكن لماذا؟
أولاً، هناك جد مباشر لسبب عدم ظهور ضغوط التضخم في أسعار المستهلكين حتى الآن، ذلك أن النشاط الاقتصادي لا يزال أقل بكثير من المستويات التي شهدناها قبل «كوفيد - 19» والتي دفعت كثيراً من دول العالم الغربي إلى الإغلاق في مارس (آذار) الماضي. تعد التركيبة السكانية من ضمن الأسباب. فنحن مستعدون لزيادة عدد المتقاعدين كنسبة من السكان في سن العمل، الأمر الذي قد يؤدي على الهامش إلى بيع السندات، وزيادة القوة التفاوضية للنقابات. (هذه هي الفكرة المركزية في كتاب «الانعكاس الديموغرافي العظيم» لتشارلز جودهارت ومانوج برادهان). وهناك جيل الألفية، وهم مجموعة أكبر من الجيل الذي يسبقهم، ويزداد تأثيرهم بشكل متزايد. بالنسبة لسرعة المال، فإن المجموعة السكانية الرئيسية هي الفئة العمرية 20 - 54. فعادةً ما تتركز غالبية معدلات إنفاق هذه الفئة خلال فترة ذهابهم إلى العمل واحتياجات الأسرة. وقد جرى ربط سرعة المال باتجاه هذه المجموعة.
وفي ظل معدل نمو الفئة العمرية من 20 سنة إلى 54 سنة من السكان التي باتت على وشك التحول والزيادة، يجب أن نستعد لزيادة سرعة النقود، وبالتالي نظراً لأن المعروض النقدي أكبر بكثير، فإن عودة التضخم ستكون أمراً حتمياً.
ما أول مكان ستظهر فيه عودة السرعة؟ إذا كانت البنوك تقرض بوتيرة أكبر، وهو ما تميل إلى القيام به عندما تقوم بإصلاح ميزانياتها العمومية، وشكل منحنى العائد يجعلها تبدو جذابة (ذلك بزيادة عوائد الإقراض على المدى الطويل أثناء الاقتراض على المدى القصير)، فهذا يعني عموماً أن المال يتحرك بشكل أسرع. وبمرور الوقت، تتكون صلة وثيقة بين التضخم ونمو الائتمان المصرفي.
بالنظر إلى استطلاعات بنك الاحتياطي الفيدرالي لكبار مسؤولي القروض في البنوك، فإن إحجامهم عن تقديم الائتمان خلال حالة الخوف التي سادت عام 2020 قد تلاشت إلى حد كبير، وتعمل أغلبية طفيفة الآن على تسهيل الإقراض على المستهلكين - ولكن لا يوجد حتى الآن أي حماس حقيقي لزيادة إقراضهم، وهو ما تجلَّى في أحدث استطلاع جرى في شهر يناير (كانون الثاني).
هذا ما يمكن تسميته الحالة النقدية لعودة التضخم. فسوف تتحد التركيبة السكانية ونظام مصرفي أكثر تعافياً لضمان أن الكميات الجديدة الهائلة من الأموال في النظام ستتحرك بشكل أسرع هذه المرة، وهي حجة مقنعة أن نكون أكثر قلقاً، وألا نعتبر الافتقار إلى التضخم بعد الأزمة المالية العالمية سابقة استرشادية. لكنه لا يزال يتطلب عدداً من الخطوات ليتم تنفيذه في المستقبل.
جدل آخر بشأن التضخم طويل المدى يأتي من دورات السلع. فعندما ترتفع أسعار السلع الأساسية، يرتفع التضخم الاستهلاكي عملياً بشكل تلقائي مع زيادة تكاليف المواد الخام. فقد ارتفعت أسعار المعادن الصناعية خصوصاً النفط بشكل حاد بطريقة تشبه إلى حد كبير بداية دورة الصعود البطيء طويل المدى.
إنَّ الضجة حول الاتجاه التصاعدي باتت الآن مدفوعة جزئياً بفكرة أن السوق هي التي دفعته، حيث يؤدي انخفاض الأسعار إلى إغلاق الإنتاج وتقليل العرض ومن ثم ارتفاع الأسعار. ونظراً لأن الأمر يستغرق وقتاً طويلاً لإضافة أو إزالة العرض للمواد الخام الرئيسية، فليس من المستغرب أن تتحرك أسواق السلع في دورات طويلة. ولكن بعد ذلك، كان هناك بشكل عام محفز واضح. فبالنسبة لهذه الموجة المقبلة، فإنَّ الأمل والمخاوف أيضاً هي أن يجري توفير ذلك من خلال شكل من أشكال «الصفقات الخضراء (البيئية) الجديدة» العالمية، مع الاستثمارات اللازمة لتجنب تغير المناخ الكارثي الذي يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الخام. وبطبيعة الحال، هناك مخاطر سياسية لهذا السيناريو، والتي لن أغطيها الآن.
الأبعد من ذلك، تشير مؤسسة «كابيتال إيكونوميكس» البحثية في لندن إلى أن أسعار المعادن الصناعية كانت تعتمد بالكامل تقريباً على الطلب من الصين. كان هذا صحيحاً طوال عقدين من الزمن قبل الأزمة المالية العالمية، وكان صحيحاً بشكل أكبر في عقد ما بعد الأزمة. ومع كبح الصين للائتمان مرة أخرى، فإنها تأمل مرة أخرى في أن تتمكن من إدارة التحول من الاستثمار - إلى الاقتصاد القائم على الاستهلاك وعدم وجود دولة أخرى (حتى الهند) في أي وضع لتحل محل الصين كمستهلك أول، قد يكون هذا مشكلة بالنسبة للأطروحة القائلة إن لدينا دورة سلعية جديدة صاعدة مقبلة. هناك سبب آخر يدعو للقلق، بحسب «كابيتال إيكونوميكس». فكما الحال الآن، كانت هناك ضربة مروعة للاقتصاد العالمي، وساعدت الزيادة الكبيرة في الإنفاق الصيني على التعافي السريع. فقد كان الانتعاش سريعاً لدرجة أنه كان هناك ارتفاع كبير في أسعار السلع، حتى إن المعادن تجاوزت مستوى ما قبل الأزمة. وبمجرد أن أصبح واضحاً أن هذا كان حافزاً للطلب، واستقر العالم الغربي على التقشف، انقلبت أسعار السلع الأساسية، واستقرت في سوق هابطة ستستمر لبقية العقد.
قد تُخيب الصين الآمال المالية مرة أخرى، أما بالنسبة لبقية العالم، فإنَّ قانون التحفيز الضخم الذي تم إقراره الأسبوع الماضي في الولايات المتحدة يزيد بوضوح من فرص عصر جديد من السياسة المالية التوسعية علينا، وليس مجرد استجابة كبيرة للأزمة. ومع ذلك، قد يخسر الديمقراطيون بسهولة أغلبيتهم الضئيلة في مجلسي النواب والشيوخ نهاية العام المقبل. قد نكون في فجر حقبة جديدة للحكومة الكبيرة في الولايات المتحدة، لكنها ليست مؤكدة.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»