في خضم الحملات الانتخابية المستعرة التي شهدتها الولايات المتحدة العام الماضي بين مرشحي الحزبين الجمهوري والديمقراطي، كان النفط في قلب المواجهة، وكانت الأجندة التي يتبناها كلا المرشحين ترمب وبايدن فيما يتعلق بالنفط على طرفي نقيض وبشكل حادٍ ومتشنج.
فترمب يؤمن بأن استقلالية الولايات المتحدة النفطية أمر لا يمكن المساومة عليه ويهدف إلى سد حاجة الولايات المتحدة من النفط وصولا لصدارة منتجي العالم، ليصبح معها النفط الأميركي عصبا اقتصاديا تخلق منه الوظائف وتزداد منه العوائد وتكبر معه الأعمال وكان واضحا في تأييده ودعمه لكل النشاطات النفطية.
بينما تبنى بايدن أجندة صارمة لتقييد أنشطة النفط والحد من استخداماته بحجة الانبعاثات الكربونية التي يحدثها هذا المصدر الحيوي والرئيسي للطاقة وأضرارها على البيئة، والتي كانت ولا تزال تشكل جدلا واسعا بين مناصري البيئة وأرباب الصناعة النفطية حول صحة هذه الأضرار.
ففي آخر مناظرة انتخابية رمى كلا المرشحين بأقوى أسلحتهما طمعا في الحصول على تأييد أكبر عدد من المناصرين والمصوتين، واستدرج ترمب بايدن إلى نقاش حول النفط ووجه له سؤالا أشبه ما يكون بمصيدة انتخابية محكمة، عندما طلب منه تأكيد موقفه من عمليات التكسير الهيدروليكي التي كانت ولا تزال إحدى أهم التقنيات التي صعدت بنجم النفط الصخري وحلقت بأرباح المنتجين من هذا النفط النوعي ورجحت كفة الولايات المتحدة في أسواق الصناعة النفطية إنتاجا وتصديرا.
لقد كان السؤال الموجه من ترمب إلى بايدن: ماذا عن التكسير الهيدروليكي؟ ليجيب بايدن بأنه ليس ضده بالكلية، ولكنه لن يسمح به في الأراضي الفيدرالية، وأنه يعمل على مرحلة انتقالية تنتقل معها البلاد من عالم النفط إلى عصر الطاقة المتجددة، وأنه سيقوم بمنع المساعدات الفيدرالية الممنوحة لأعمال النفط وسيتم تحويلها إلى صناعات الطاقة المتجددة، ليعلق ترمب قائلاً «هذه عبارة كبيرة... سيتم تدمير الصناعة النفطية»، ويوجه كلامه للولايات النفطية: «هل ستتذكرون هذا يا تكساس يا بنسلفانيا يا أوكلاهوما وأوهايو»، لقد كانت هذه الولايات النفطية متأرجحة في التصويت، وكان يرغب في كسبها منوهاً بدعمه الكامل لأنشطة النفط وصناعتها فيها، ورغم أن تكساس كانت دوما جمهورية الهوى، لكن ترمب لم يكن يضمنها بسبب التداعيات الهائلة التي خلفها وباء كورونا على كامل الخريطة الانتخابية الأميركية».
وبعد أن هدأت عاصفة الانتخابات وزلزالها الذي حدث على خلفية نتائجها في المجتمع الأميركي تاركا استقطابا حادا، بدا واضحا أن أجندة بايدن حيال النفط ستسود وسيتم تنفيذها، محاولا الحد من تدفق براكينها التي لطالما كانت مصدرا للمال والثروة والنفوذ.
ففي أول ست ساعات له في سدة الحكم، أصدر أمرا تنفيذيا بعودة الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس، وهي الخطوة التي ألغاها سلفه ترمب وقرر الانسحاب منها بعد قرار أوباما بالانضمام إليها عام 2015، كما أصدر أمرا تنفيذيا بإيقاف مشروع خط الأنابيب الذي يربط مقاطعة ألبرتا الكندية بولاية أوكلاهوما، ومنها إلى سواحل خليج المكسيك حيث المتنفس النفطي ومعامل التكرير التي تشرع بتصديره.
لم يكتف بايدن عند هذا الحد، بل رصد ميزانية قدرها 1.7 تريليون دولار تُوجه إلى معامل الأبحاث وصناعات الطاقة المتجددة لتمويل المرحلة الانتقالية من عالم النفط إلى عصر الطاقة البديلة والمتجددة.
لقد أصبحت أجندة بايدن تجاه النفط أكثر وضوحا وصرامة بقراره تحويل كل السيارات الفيدرالية الحكومية التي تعمل على طاقة الوقود الأحفوري مثل البنزين والديزل إلى سيارات كهربائية، والتي تم تقدير عددها بأكثر من 645 ألف سيارة، حيث سيبدأ التنفيذ بسيارات البريد الأميركي.
وإن كان التوجه الحالي لبايدن ومقاربته حول من سيملك المستقبل في أميركا والعالم، هل هو النفط أم الطاقة المتجددة، أصبح واضحا وجليا؛ بيد أن التحديات الهائلة التي تواجه هذه الأجندة ليست بالقليلة، بل هي كبيرة جدا، حيث البنية التحتية للاقتصاد الأميركي - كما الاقتصاد العالمي - التي يملك النفط فيها حصة الأسد، والكفاءة التي تحتاج لها الطاقة المتجددة لتصل إلى كفاءة الوقود الأحفوري العالية، والتكلفة المرتفعة المتوقعة من تطبيقاتها، وغيرها من التحديات التقنية، التي سيحسم المستقبل ما إذا كان من الممكن تجاوزها ومدى سرعة تقدمها.
9:32 دقيقه
TT
براكين النفط وزلزال السياسة
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة
