ليونيل لورانت
كاتب من خدمة «بلومبيرغ»
TT

الصين وروسيا تتفوقان على الغرب في دبلوماسية اللقاح

كان أمراً مشجعاً رؤية زعماء دول مجموعة السبعة، بما في ذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس وزراء المملكة المتحدة بوريس جونسون، جميعاً على نفس الجانب فيما يتعلق بلقاحات فيروس «كوفيد ـ 19». ومع عودة الولايات المتحدة إلى دائرة التعاون العالمي بالمجال الصحي باعتبارها عضواً في مبادرة «كوفاكس» المؤلفة من 92 دولة، اتفقت الدول الأعضاء جميعاً على المعاونة في توزيع جرعات اللقاحات بمختلف أرجاء العالم للبدء في رأب الفجوة التي كشفها الوباء بين الدول الغنية والأخرى الفقيرة.
إلا أنه فيما وراء هذه المشاعر الإيجابية، تكمن حالة مثيرة للقلق من غياب الفعل على الأرض. في الوقت ذاته، تكشف الأرقام أن الفجوة بلغت حداً هائلاً من الضخامة لدرجة أن 10 دول فقط استحوذت على أكثر من ثلاثة أرباع جرعات لقاحات «كوفيد ـ 19»، بينما تبقى هناك 130 دولة لم تحصل بعد على جرعة واحدة.
وتعتبر مبادرة «كوفاكس» جهداً مرحباً به، لكنها تهدف هذا العام إلى تغطية 20 في المائة فقط من سكان الدول الأعضاء بها، ما يعني أنها مجرد جزء من الإجابة. من جهتها، وصفت منظمة الصحة العالمية غياب التعاون عبر قارات العالم «فشلاً أخلاقياً كارثياً».
ويكمن الخطر في أن ترك هذا الفشل دونما سيطرة، سيطيل أمد الجائحة ويسمح للمنافسين الجيو ـ استراتيجيين بسد الفراغ.
الملاحظ أن الصين وروسيا تعمدان إلى تعزيز نفوذيهما على الساحة العالمية بالاعتماد على اللقاحات المصنعة محلياً لديهما والتي يتولى البلدان توزيعها على دول أخرى بأسعار زهيدة أو دونما مقابل. في المقابل، تناضل أوروبا وأميركا الشمالية للتغلب على الأزمات التي تواجه جهود تصنيع اللقاحات وبؤر تفشي الجائحة داخل أراضيهما. ورغم كل الحديث الدائر حول المشاركة، أعطى الحلفاء الغربيون الأولوية لأنفسهم وهددوا بفرض قيود على التصدير، بل ولجأت كندا إلى «كوفاكس» للحصول على إمدادات من اللقاح لحسابها.
لقد وافقت أعداد متزايدة من الدول على اللقاحات الصينية لفيروس «كوفيد ـ 19»، وإن كانت بعض الموافقات للاستخدام الطارئ فقط. كما تعتمد المكسيك وباكستان على لقاح «كانسينو». ونتيجة لموقف الدول الغربية، تبدو اليوم بعض أكبر الدول المنافسة لها في صورة إيجابية باعتبارها قوى تتميز بروح الإيثار والخير.
وعلى الحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي، تمكنت صربيا من القفز نحو الأمام متفوقة على باقي دول الاتحاد في برنامج توزيع لقاحات فيروس «كورونا» داخل أراضيها بفضل ما يزيد على مليون جرعة تلقتها من لقاح شركة «سينوفارم» الصينية المدعومة من الدولة.
وفي الجوار المحيط بالولايات المتحدة، نجح لقاح «سبوتنيك في» الروسي الذي قوبل بالرفض من جانب دول غربية بادئ الأمر، في ترسيخ مكانته داخل المكسيك من خلال 24 مليون جرعة.
وفي أفريقيا، حيث تثير مبادرة «كوفاكس» مشاعر مختلطة، بدأت اللقاحات الصينية والروسية في تعزيز وجودها في مرتبة لاحقة مباشرة للقاحات الغربية التي ربما تكون أكثر فاعلية في بعض الحالات، لكنها أعلى تكلفة وتتسم بتعقيد أكبر في نقلها.
في ظل عالم مثالي، من المفترض ألا تكون مسألة مصدر الدواء ذات أهمية. ومع ذلك، نجد اليوم أن اللقاحات تحولت إلى أداة للقوة الناعمة. وبعد عام مضني في ظل هذه الجائحة، يجري النظر إلى اللقاحات اليوم باعتبارها عنصراً محورياً في الجهود الوطنية للدفاع عن النفس وإدارة السياسات الخارجية.
تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن إسرائيل اشترت في الفترة الأخيرة مئات الآلاف من جرعات لقاح «سبوتنيك في» الروسي لحساب سوريا في إطار صفقة تبادل أسرى، طبقاً لما أوردته صحيفة «هارتس».
في آسيا، ألقى وزير الصحة التايواني باللوم على ضغوط سياسية «خارجية» عن الانهيار المفاجئ لصفقة شراء جرعات لقاح من شركة «بيونتيك» الألمانية.
السؤال هنا: هل بمقدور الغرب خوض هذه اللعبة هو الآخر؟ على أي حال، اشترت دول الغرب بصورة جماعية عدداً من الجرعات يفوق أعداد سكانها بعدة أضعاف. ومن بين الاستراتيجيات التي تجري مناقشتها إقرار خطة على غرار «خطة مارشال» لتوزيع اللقاحات عبر شرق أوروبا. إلا أن العقبة هنا أن دبلوماسية اللقاحات الطموحة تعتمد على الدعم الداخلي، وهنا تحديداً يواجه الاتحاد الأوروبي الإخفاق، بسبب البطء الشديد في جهود توزيع اللقاحات حتى الآن، وتضارب الرسائل المتعلقة بمدى فاعلية اللقاح، واستمرار وجود الكثير من الدول قيد حالة إغلاق عام.
في المقابل، نجد أن الميزة الكبرى للصين تتمثل في تمتعها بوجود لقاح سلعي ومواجهتها ضغوط داخلية ضئيلة لتوزيعه على الصعيد الوطني أولاً. وحتى الهند، التي تتبع استراتيجية عالمية تقوم على فكرة «صداقة اللقاح»، تجابه صعوبات في سد احتياجاتها الداخلية في ذات الوقت.
في الواقع، ربما يكون السبيل الدبلوماسي الأمثل أمام الولايات المتحدة وأوروبا التشارك مع آخرين في كيفية تصنيع اللقاح، على الأقل حتى يتمكنا من البدء في التشارك الحقيقي في أعداد ضخمة من الجرعات.
من جهته، اقترح ثيودور ميرفي، مدير البرنامج الأفريقي داخل المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، ضرورة أن يساعد الاتحاد الأوروبي دولاً أفريقية كي تتمكن من تصنيع اللقاح بنفسها. ورغم أن هذا المسار يستغرق وقتاً، فإن هذا القول ينطبق كذلك على مسألة تقديم الجرعات مباشرة.
ومن الممكن توقيع اتفاقات طوعية لنقل التكنولوجيا مع مؤسسات عاملة بمجال الصناعات الدوائية استفادت من دعم الدولة، وسيصبح هذا المسار أيسر حال توافر مساعدة أميركية. وسيشكل هذا الموقف تكراراً للموقف النبيل الذي اتخذه جوناس سالك وألبرت سابين عندما رفضا تسجيل الملكية الفكرية للقاح شلل الأطفال أثناء «الحرب الباردة».
وقد سبق وأن أكد العالم الرائد بمجال اللقاحات إدوارد جينير أن «العلوم لا يمكن أن تدخل في حروب بينها». وبالطبع كان يحث حينها فرنسا تحت الحكم النابليوني على إطلاق سراح أسرى بريطانيين.
اليوم، وبالنظر إلى أن بكين تطلق العنان لجهود توزيع جرعات اللقاح كما لو كانت ذخيرة حية، ربما حان الوقت كي يتوقف الغرب عن التعامل مع جرعات اللقاح لديه باعتبارها كنزاً ثميناً. وينبغي لماكرون وميركل وجونسون أن يتذكروا أنه لا أحد بمأمن حتى يصبح الجميع في أمان ـ وأن التشارك والتعاون في بعض الأحيان يحتاج لوخزة قوية كي ينطلق.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»