جو نوسيرا
TT

هل ستؤدي شبكات الإنترنت الرقمية إلى تدمير الولايات المتحدة؟

كان آخر كتاب قرأته في عام 2013 هو «من يملك المستقبل؟» للمفكر جارون لانييه. ورغم أن الكتاب نشر في شهر مايو (أيار)، فإنني اطلعت عليه وقرأته في نهاية العام. بيد أنني كنت محظوظا لقراءته في هذا التوقيت الجيد. وفي ضوء وجود مشكلة البطالة التي تسببت، فيما يبدو، في حدوث انهيار بنسبة نحو سبعة في المائة عقب أزمة الكساد الكبير، وتسريب الآلاف من وثائق وكالة الأمن القومي، بما صار جزءا مهما من الأخبار بشكل يومي تقريبا، وكذلك الأخبار المتواصلة بشأن تدهور مسألة الخصوصية في الاقتصاد الرقمي، يطرح كتاب «من يملك المستقبل؟» نوعا معينا من النظريات العالمية التي تربط كل هذه الأشياء بعضها ببعض. كما يقدم الكتاب أيضا بعض الأفكار المثيرة وغير التقليدية لضمان أن السيطرة الحتمية على البرمجيات في كل قطاع من القطاعات الموجودة داخل المجتمع ستكون أمرا جيدا وليس ضارا.
ويتمتع لانييه بصلاحية غير عادية لانتقاد مسألة الاقتصاد الرقمي، فمن بين «الكثير» من الأشياء الأخرى، أسس لانييه أول شركة لبيع منتجات الواقع الافتراضي. وجرى بيع باكورة منتجاته إلى «غوغل». وبوصفه استشاريا، كان لانييه مضطلعا ببعض المهام مع وول مارت وفاني ماي، المجموعة الفيدرالية الوطنية للرهن العقاري، والبنوك الرئيسة والمحفظة الوقائية، وفقا لما يشير إليه في كتابه «من يملك المستقبل؟». ولكن على العكس من زملائه الاختصاصيين في مجال التكنولوجيا، بدأ لانييه يشعر في نهاية المطاف بأن ظهور شبكات الإنترنت الرقمية وصعودها لم يكونا علاجا لجميع المشكلات.
وعلى النقيض من ذلك، يقول لانييه في كتابه: «كان ما توصلت إليه من خلال النفاذ إلى هذه العوالم المتنوعة يتمثل في إدراك ما مفاده أن جميع هذه العوالم متماثلة بشكل ملحوظ. وفي هذا الصدد، حقق اللاعبون الأساسيون مكاسب واستفادة من الشبكات الرقمية بدرجة مذهلة في أغلب الأحيان، بيد أنهم كانوا أيضا مجبرين، بل مقيدين بالديناميكية نفسها».
وعلى مدار الوقت، ستصبح كفاءة وفعالية نفس شبكات الإنترنت، التي وفرت لهم مزايا عظيمة، أداة وسببا لإخفاقهم. وفي مجال الخدمات المالية، أدى ذلك الأمر إلى حدوث أزمة مالية. وبالنسبة لحالة وول مارت، فقد أدى تبنيها للتكنولوجيا بهدف إدارة سلسلة التوريد الخاصة بها إلى جني ثمار عظيمة، ولكن بمرور الوقت، كلف هذا الأمر المنافسين والموردين مئات الآلاف من الوظائف، ومن ثم «تسبب ذلك تدريجيا في تقويض قاعدة عملائها»، على حد وصف لانييه.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو هل سينطبق هذا الأمر على وكالة الأمن القومي؟ وفي الواقع فإن الوكالة استخدمت تقنية الكومبيوتر بما مكنها من رصد ومراقبة العالم بأسره، وخلال هذه العملية فقدت الوكالة السيطرة على المتعاقدين معها الذين كانت توظفهم. ومن وجهة نظر لانييه، فبالنسبة لمواقع «فيس بوك» و«غوغل» و«تويتر» و«أمازون» ونحوها، يعد الموضوع مسألة وقت فقط قبل أن تختفي أيضا المزايا التي يتمتعون بها.
وهناك مكونان إضافيان في نظرية لانييه، يتمثل الأول منهما في أن الاقتصاد الرقمي كان له تأثير أكثر من أي شيء آخر لإحداث فجوة داخل الطبقة المتوسطة، (وعندما تساءلت عن تأثير العولمة، جاءني الرد من لانييه بأن العولمة كانت «أحد مظاهر كفاءة شبكة الإنترنت». فهل نظرت إلى ما أعنيه بشأن النظرية العالمية؟). ومن أفضل الأمثلة التي ساقها لانييه في هذا الصدد حالتا «كوداك» و«إنستغرام». ويقول لانييه: «إن (كوداك) كانت توظف أكثر من 140 ألف شخص. نعم لقد ارتكبت (كوداك) الكثير من الأخطاء، ولكن دعنا ننظر إلى الحالة الأخرى؛ فعندما جرى بيع (إنستغرام) إلى (فيس بوك) مقابل مليار دولار في عام 2012 كانت (إنستغرام) توظف 13 شخصا فقط».
إن ما يقودنا بدقة للوصول إلى النقطة النهائية المهمة لدى لانييه هو أننا نحن الذين نحدد قيمة هذه الشركات الجديدة. ويقول لانييه في كتابه: «(إنستغرام) لا تساوي مليار دولار لمجرد أنها توظف هؤلاء الموظفين غير العاديين البالغ عددهم 13 شخصا. وفي المقابل، فإن قيمة (إنستغرام) يصنعها ملايين المستخدمين الذين يسهمون في الدخول على شبكة الإنترنت من دون دفع مبالغ». وتحتاج شبكات الإنترنت إلى مشاركة عدد كبير من الأشخاص فيها من أجل تحقيق قيمة عظيمة. ولكن حينما يشارك المستخدمون في هذه الشبكات يحصل فقط عدد قليل من الأشخاص على مبالغ مالية. ويتمثل التأثير الواضح لهذا الأمر في تركز الثروات وتقييد النمو الاقتصادي الشامل. ووفقا لذلك، يعد ذلك الأمر، من وجهة نظر لانييه، بمثابة عدم مساواة في الدخل وهو ما نتج أيضا عن الاقتصاد الرقمي بشكل جزئي.
وتتمثل الفكرة الأساسية لمؤلف الكتاب لانييه في وجوب حصول الأشخاص على أموال كلما جرى استخدام معلوماتهم. ويتصور لانييه نوعا مختلفا من الاقتصاد الرقمي سيحصل فيه منتجو المحتوى - سواء من خلال منشور في مدونة أو صورة على «فيس بوك» - على مبالغ زهيدة كلما استخدم المحتوى. ويقول لانييه إن الاقتصاد الرقمي الذي يبدو أنه يمنح الأشياء من دون رسوم - في مقابل القدرة على انتهاك خصوصية المستخدمين بغرض تحقيق مكاسب تجارية - ليس متحررا على الإطلاق.
ويوضح لانييه أنه «إذا كانت (غوغل) و(فيس بوك) متحليتين بالذكاء، كانتا سترغبان في دعم عملائهما وزيادتهم». ويضيف أنه حتى الآن، اختار وادي السيليكون «اختيارا أحمق» لزيادة نشاطاته التجارية على حساب عملائه.
وفي الواقع تتمثل رسالة لانييه في أن ذلك الأمر لا يمكن أن يستمر ولن يستمر.
* خدمة «نيويورك تايمز»