مات ليفين
TT

المجلس الرقابي الأعلى في «فيسبوك»

نتحدث في بعض الأحيان عن النظرية التي تقول إن شركة «بلاك روك» تتحكم في العالم. وهي ليست شركة «بلاك روك» في حد ذاتها، وإنما هناك مجموعة مصغرة من مديري الاستثمار العمالقة الذين يعتبرون من أكبر المساهمين في أغلب الشركات الكبيرة العامة، والذين هم - على درجة ما - يوجهون أعمال تلك الشركات ويفرضون عليها ما يفعلون. والأشخاص الرؤساء على مديري الاستثمار هؤلاء – شخصيات من شاكلة لاري فينك من شركة «بلاك روك» – يتمتعون بسلطات واسعة وغير متكافئة على العالم المعاصر. فإذا ما قرروا أن الشركات لا ينبغي أن تكون فيها مجالس إدارات متداخلة المهام، فلن يكون هناك مثل تلك المجالس في الشركات. وإذا ما قرروا أن التغييرات المناخية من المشكلات الملحة، وأن الشركات في حاجة ماسة إلى التعامل معها، فسوف يتعين على الشركات - على الأقل - النظر في سُبل معالجة تلك المشكلة.
ومن العجيب للغاية أن تُدار أغلب الشركات في العالم بواسطة حفنة من الأشخاص. وعندما نطرح الأمر على هذا النحو، تبدو وكأنها مشكلة من مشكلات الاحتكار الواضحة، وهناك حجة شائعة تقول إن قوانين الاحتكار في حد ذاتها ينبغي أن تعمل على تقييد توسع صناديق المؤشرات الاقتصادية الكبيرة، والحيلولة دون امتلاكها لكافة الأسهم في صناعة من الصناعات. غير أن غرابة الأمر تتجاوز مجرد قضية مكافحة الاحتكار؛ بل صارت مسألة تتعلق بما إذا كانت الشركات سوف تتجه إلى رفع الأسعار جملة واحدة؛ نظراً لأنها تخضع للمجموعة نفسها من المالكين.
هناك قدر هائل من الأسباب التي تفرض عليك عدم الشعور بالارتياح؛ لأن حفنة من الشخصيات حازوا قدراً كبيراً للغاية من القوة عن طريق المصادفة، وربما الخطأ. قال رجل الأعمال الأميركي سام زيل ذات مرة: «لم يبلغني أحد أن لاري فينك قد تقابل مع الرب القدير من قبل حتى ينال كل هذه السلطة». وعند مرحلة ما، يبدو الأمر وكأنه مشكلة ذات أبعاد سياسية. ولقد تحدثنا في غير مناسبة من قبل عن جهود النظام السياسي الفعلية (وأعني بها الكونغرس والجهات الرقابية الحكومية) في كبح جماح المديرين غير المنتخبين على رؤوس الشركات العملاقة ومديري الأصول فيها، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالمساءلة – حول قضية البيئة، وانتشار الأسلحة على سبيل المثال – التي من المفترض أن يتعامل معها النظام السياسي الحاكم بصورة تقليدية في المقام الأول.
كتب البروفسور جون كوتس من كلية القانون في جامعة «هارفارد» ورقة بحثية في عام 2018، يطرح فيها رأياً بخصوص هذه الأمور، وجاءت تحت عنوان: «مستقبل حوكمة الشركات، الجزء الأول: مشكلة الاثني عشر». ومن بين ما أعجبني في هذه الدراسة هو العنوان البارز. وكانت المسألة بالنسبة إلى البروفسور كوتس لا تتعلق بتساؤل ضيق الأفق من شاكلة: «هل تتجه الصناعات ذات الملكية المشتركة حقاً إلى رفع الأسعار؟»، وإنما كان يشغله سؤال أوسع نطاقاً بكثير: «ما الذي ينبغي أن يشغل تفكيرنا عندما نعلم حقيقة أن 12 شخصاً يسعون سعياً حثيثاً إلى بسط السيطرة الكاملة على كافة الشركات؟».
والأمر الآخر الذي لفت انتباهي في دراسة البروفسور كوتس، هو اقتراحه بأن هذه الصناديق الاستثمارية الضخمة يمكن أن تنظر إلى القانون الإداري كوسيلة من وسائل إضفاء الطابع الشرعي على سلطاتها وتنظيماتها. (وقال البروفسور عن ذلك: «كان القانون الإداري من بين مصادر الإلهام الذي ينبغي له التعامل مع مشكلات مماثلة ذات صلة بالشرعية والمساءلة لعملاء الحكومة»).
إذا قرر مزود أحد المؤشرات استبعاد الشركات ذات فئات الأسهم المزدوجة من جملة مؤشراته، أو إذا ما قرر صندوق المؤشر التصويت لصالح إدارة الصندوق في معركة تداولية بالوكالة، فهل ينبغي أن تتضمن المسألة نوعاً من عملية المساءلة العامة؟ وهل يجب أن تصدر إشعاراً، وأن تعقد جلسات للاستماع مع السماح للأطراف المعنية بإبداء التعليقات؟ وهل يجب أن تفتح سجلاً لتسجيل المداولات؟ وهل يجب على المحاكم أن تكون قادرة على مراجعة قراراتها خشية الوقوع في التعسف؟ لا أعرف على وجه الدقة، يبدو الأمر وكأنه رحلة مطولة من المتاعب.
لكن يبدو من الخطأ أيضاً التفكير في هذه المؤسسات وكأنها جهات فاعلة ذات طبيعة خاصة مجردة، تتحمل المسؤوليات الائتمانية المتواضعة نفسها إزاء المستثمرين، على غرار أي صندوق تحوط صغير. إذ إنها أكبر من ذلك بكثير؛ حيث يمنحهم حجمهم العملاق القوة، والسلطة، والأهمية في المجال العام. فهل من شأن ذلك أن يلقي عليهم مزيداً من المسؤوليات؟
كانت تلك رؤيتي التقريبية لكيفية عمل القانون الإداري الأميركي، وكيف تتخذ الوكالات الحكومية، مثل لجنة الأوراق المالية والبورصات، قراراتها ذات الصلة. وهي جهات غير منتخبة، وليس لديها القدر نفسه من المساءلة العامة المباشرة التي يحظى بها أعضاء الكونغرس، غير أن عملياتهم مصممة رغم ذلك لخدمة نوع محدد من المساءلة العامة. وهم عندما يتخذون قراراً مهماً بشأن قواعد العمل لديهم، فإنهم يصدرون إخطاراً أولياً بالقرار، ثم يطلبون من الأطراف المعنية والجمهور إرسال التعليقات. ثم يعقدون جلسات الاستماع العلنية، ثم بعد صياغة القواعد النهائية يقومون بنشر سجل يدمجون فيه تعليقات جمهور الرأي العام والردود عليها. وذلك لأنهم على وجه التحديد لم يجرِ انتخابهم بصورة مباشرة، وبالتالي فهم يحاولون منح قدر من الشرعية على قراراتهم حتى تتسم بالشفافية والعناية باهتمامات الرأي العام.
من الواضح أن مديري الاستثمار لا يباشرون أعمالهم وفق هذا التصور، على الرغم من أن بعض الكيانات اللصيقة (مثل البورصات، وموفري المؤشرات) تعمل وفق هذا التصور. والنقطة الأَولى بالأهمية في هذا السياق تتعلق بأنه إذا انتهى الأمر بمؤسسة ما عن طريق المصادفة البحتة إلى امتلاك قدر معين من القوة والسلطة النظامية؛ حيث تملك بموجبها إصدار قرارات السياسة الخاصة بها ذات التأثير الهائل على المساهمين والعملاء وعلى كافة أرجاء العالم، فربما ينبغي عليها بذل مزيد من الجهود في اتخاذ تلك القرارات بأعلى قدر ممكن من الشفافية وبمشاركة الرأي العام المعني. وإذا ما تحولت شركتك بطريقة أو بأخرى إلى شركة أشبه بالحكومة في تعاملاتها، فربما ينبغي عليك حينئذ التصرف بشكل أشبه بالحكومة أيضاً.
كان قرار شركة «فيسبوك» تعليق وصول السيد ترمب إلى خدمات منصتي «فيسبوك» و«إنستغرام» في 7 يناير (كانون الثاني) من العام الجاري قد أثار ردود فعل غاضبة واهتماماً عالمياً كبيراً. ويتابع مجلس الرقابة في الشركة الأحداث عن كثب في الولايات المتحدة، ومدى استجابة شركة «فيسبوك» لتلك المستجدات، كما أعلن المجلس عن استعداده لتقديم تقييم شامل ومستقل لقرار الشركة في هذا الصدد.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»