كاس آر. سنستاين
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

كيف ينبغي للحكومات مواجهة أكاذيب شبكات التواصل الاجتماعي؟

«الحماية الأكثر صرامة لحرية التعبير لن تفلح في حماية شخص من أن يصرخ كذباً منذراً بنشوب حريق داخل مسرح ليثير حالة من الهلع» - قاضي المحكمة الدستورية العليا الأميركية أوليفر وينديل هولمز، في قضية شينك ضد الولايات المتحدة، عام 1919.
الملاحظ أن الكثير من الأشخاص يصرخون كذباً لينذروا من حرائق هذه الأيام. عام 2019، دعا مارك زوكربرغ، مؤسس «فيسبوك»، إلى إقرار تنظيم وطني، بحيث يركز على نحو خاص على المحتوى الضار ونزاهة الانتخابات. وبغض النظر عن وجهة نظرك في المقترحات المحددة التي طرحها زوكربرغ، تظل الحقيقة أنه أشار في اتجاهات واعدة.
العام الماضي، اتخذ كل من «تويتر» و«فيسبوك» خطوات مهمة طواعية لمكافحة المعلومات المضللة، بما في ذلك التحذيرات ومستوى التداول المتراجع والحذف.
والآن: هل ينبغي للحكومة التدخل للإشراف على هذه الخطوات؟ هل ينبغي أن تلزم هذه المواقع بذلك؟ هل ينبغي أن تحظرها؟ هل ينبغي أن تطلب المزيد؟
للإجابة عن هذه التساؤلات، يتعين علينا الاستعانة بالتعديل الأول. وقد فعلت المحكمة العليا ذلك عام 2012، وقدمت ما يشبه ضوءاً أخضر للأكاذيب. وفي فقرة حيوية من الحكم الصادر في قضية الولايات المتحدة ضد ألفاريز، استندت الحكومة إلى الواقع الاستبدادي الذي صوره جورج أورويل في روايته «1984» لتعلن أن «تقاليدنا الدستورية تقف ضد فكرة أننا بحاجة إلى وزارة أوقيانوسيا للحقيقة».
جدير بالذكر في هذا الصدد أن هذه القضية تعلقت بزافيير ألفاريز، وهو كاذب عتيد ادعى حصوله على وسام الشرف من الكونغرس. وشكل هذا الادعاء انتهاكاً لقانون «ستولين فالور» (التكريم المسروق) الذي يجرم مثل هذه الكذبة على وجه التحديد.
إلا أن المحكمة أسقطت القانون، وحكمت بأن الكذبة التي أدلى بها ألفاريز تخضع لحماية التعديل الأول. وخشيت المحكمة من «تداعيات مفزعة» على المتحدثين وحرية التعبير. وشرح القاضي أنتوني كيندي أن «السماح للحكومة بإعلان هذا الحديث جريمة جنائية، سواء جرى الصراخ بهذا الحديث من فوق أسطح البنايات أو جرى الهمس به بصوت مسموع بالكاد، من شأنه أن يقر سلطة الحكومة في تجميع قائمة من الموضوعات التي يعاقب على إطلاق أحاديث كاذبة في إطارها. ولا تتسم مثل هذه السلطة الحكومية بحد تقييدي واضح... وحال إقرار مثل هذا القانون، ستظهر قائمة لا نهاية لها من الموضوعات التي يمكن للحكومة الوطنية أو حكومات الولايات استثناءها».
ومع هذا، لم تنكر المحكمة، ولم يكن في استطاعتها إنكار، أن الكثير من الأكاذيب يمكن تنظيم التعامل معها أو حظرها. على سبيل المثال، الكذب أمام مكتب التحقيقات الفيدرالي جريمة، وانتحال شخصية ضابط فيدرالي جريمة. وإذا ما بعت دواء لا فائدة منه وزعمت أنه يشفي من مرض السرطان، فإنك قد تتعرض لعقوبة، وعندما تخبر السلطات بأنك رأيت جارك يبيع الهيروين بينما أنت في واقع الأمر لم تر ذلك، فإنك بذلك اخترقت القانون.
وإذا كتب صحافيون ما يعرفون أنه خاطئ، وإذا تسبب ذلك القول أو التقرير في أذية شخص ما بالفعل، فإن التعديل الأول لا يقف في طريق إنزال عقوبات مدنية بالصحافيين، حتى لو كان الضحية هو مسؤولاً عاماً. وفي ظل القانون الحالي، هناك الكثير من الإجراءات التي يمكن اتخاذها لتثبيط ومعاقبة البيانات التشهيرية.
ويوفر كل هذا شيئاً أشبه بخريطة طريق للتنظيم الحكومي في التعامل مع المعلومات المضللة عبر شبكات التواصل الاجتماعي. ويوفر القسم 230 من قانون آداب الاتصالات الصادر عام 1996، الذي يتعرض الآن لضغوط شديدة، لمنصات التواصل الاجتماعي حصانة واسعة. وحال إلغاء هذا القانون (الأمر الذي ينبغي حدوثه، ولو جزئياً على الأقل)، وحال اتخاذ مسؤولين عموميين قراراً بتنظيم التعامل مع الأكاذيب، فإنه يمكنهم البدء بتعقب الإعلانات الكاذبة والاحتيال والتشهير.
والتساؤل هنا: هل باستطاعتهم فعل المزيد؟ بالتأكيد.
في قضية ألفاريز، تركت المحكمة الباب مفتوحاً أمام احتمال أنه إذا تسبب الكذب في أضرار جسيمة، فإن التدخل بالتنظيم قد يكون مسموحاً به في هذه الحالة. وفي الوقت الذي لم يرغب القضاة في تدشين وزارة للحقيقة، فإنهم لم يقصدوا أبداً السماح بالصرخات الزائفة الكاذبة داخل مسرح مزدحم لتثير الهلع. أما الجزء الصعب هنا فيكمن في تحديد ما يجب اعتباره مكافئاً واقعياً لتلك الكذبة الافتراضية الشهيرة.
وتوفر المعايير التي يقرها مجتمع «فيسبوك» بعض الإشارات المفيدة في هذا الأمر. في شكلها الحالي، تسمح هذه المعايير للقائمين على «فيسبوك» بحذف «المعلومات المضللة والشائعات التي لا يمكن التحقق منها والتي تسهم في خطر وقوع عنف أو أذى جسدي وشيك». واعتماداً على هذا المعيار، فعل «فيسبوك» الكثير لتقييد المعلومات المضللة المتعلقة بفيروس «كوفيد - 19»، وكذلك إبلاغ الأشخاص الذين يطلعون على معلومات خاطئة بخصوص الفيروس قبل حذف هذه المعلومات.
وبطبيعة الحال يظهر هنا التساؤل حول أنماط المعلومات المضللة التي تسهم في خطر حدوث عنف أو أذى جسدي وشيك. وتظهر هنا بوضوح حجة جادة مفادها بأن الكثير من الأكاذيب المتعلقة بالصحة والسلامة تقع ضمن هذه الفئة. كما أن بعض الادعاءات السياسية - توجيه اتهامات كاذبة أو بغيضة عن أشخاص وأحداث - يمكن أن تخضع لمثل هذا التنظيم كذلك.
وسواء كان التنظيم يأتي من الحكومة أو من منصات وسائل التواصل الاجتماعي، فإنه يمكن أن يتخذ أشكالاً عديدة، وقد لا ينطوي على رقابة على الإطلاق. وقد يتكون التدخل الأفضل فقط من تحذيرات مثل «هذه العبارة خاطئة». كما يمكن لمنصات التواصل الاجتماعي أن تسمح في بعض الأحيان بالأكاذيب، لكن تجعل رؤيتها أكثر صعوبة. وقد تنظر الحكومات في الاستفادة من التوجهات القائمة بالفعل، ربما من خلال سن أفضل ممارسات وسائل التواصل الاجتماعي في القانون، وبالتالي فرض الالتزام بها على نطاق واسع.
تجدر الإشارة هنا إلى أنه عام 1927، كتب القاضي لويس برانديز أن العلاج الصحيح للخطابات الضارة، «المزيد من الكلام، وليس الصمت القسري». عادة ما يكون هذا الأمر صحيحاً، لكن ليس دائماً، فعندما تتسبب الصيحات الكاذبة التي تنذر من نيران لا وجود لها في مرض أو موت أو تقويض الديمقراطية ذاتها على نحو خطير، فإن الاختباء خلف التعديل الأول يصبح غير كافٍ.
والآن علينا أن نسأل: ماذا ينبغي لنا أن نفعل حيال ذلك؟
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»