لا شك أن عام 2020 بدأ بداية جيدة عندما قتل قاسم سليماني الذي تلطخت يده بدماء آلاف السوريين والعراقيين وغيرهم. سيغادر ترمب خلال أيام البيت الأبيض ولكن قراره الشجاع بتخليص العالم من قاتل محترف سيحفظه التاريخ. لقد كان سليماني يتنقل بطائرة «ماهان» بغطرسة على مرأى الجميع محلقاً فوق جماجم الأطفال والنساء الذين قتلتهم ميليشياته واثقاً بأن لن يمسه شيء، لكن طائرات الدرون كتبت نهايته مع أبو مهدي المهندس، وأوقفت مؤقتاً موكب القتلة المتكرر على طريق المطار. لقد كانت ضربة قاصمة، حيث تشير تقارير استخباراتية إلى أن تصفيته خلقت تصدعات وانقسامات داخل التنظيمات المرتبطة به شخصياً وأضعفتها. ورغم أن قطاعاً عربياً واسعاً ناقم عليه فإن قادة «حماس» رفعوا صوره بقطاع غزة مع قرب ذكرى مقتله، ولكن هذا دليل آخر على أن قتله كان من أهم أخبار 2020. لقد قام شبان في غزة وبغداد في ليلة واحدة بتمزيق وتشويه صوره معلنين فشل الدعاية التي أرادت أن تخلق منه بطلاً وشهيداً.
بعد هذا الخبر الجيد دخل العالم في نفق اسمه «كوفيد - 19». مع وصول اللقاح بدأنا نرى بصيص الضوء الذي انتظرناه طويلاً. الآن نرى حرفياً انقشاع الغيوم السوداء الكئيبة ولن يمر وقت طويل حتى تُخلع الكمامات. لا ننسى أن اكتشاف اللقاحات حدث في هذا العام، ولكن ما هو أكثر أهمية أن العلم وحده كان سبيل الخلاص الوحيد. سنخرج من عام 2020 أكثر إيماناً بالعلم من أي وقت مضى. لقد ادعى منظّرو الخرافة أن لديهم علاجات حاسمة للوباء ولكنها مجرد أكاذيب. محاولة هز الثقة بالعقلية العلمية وانتقاد قدرة الإنسان على أنه عاجز ومحدود القدرات هي دائماً استراتيجية ثابتة للجماعات المتطرفة، وذلك من أجل استبدال عقلية الدراويش والمغيبين بها، حيث يسهل غسل الأدمغة وخلق تابعين. فشلت هذه الخطة ويتزاحم ملايين البشر حالياً للحصول على اللقاح واثقين بروح العلم خلفه.
من المؤلم أن نسمع أخبار الموتى التي لم تتوقف. كلنا يعرف أصدقاء أو مقربين كانوا سيكونون بيننا الآن لو لم يظهر الفيروس من سوق ووهان ويختطفهم على نحو مفاجئ. حظهم السيئ دفعهم لمواجهة غير متكافئة مع الفيروس التاجي، ولكن الجيد من كل هذه التجارب المريرة هو قدرة كثير من الناس على الصمود في أوقات صعبة، والقدرة الكبيرة على التعايش والمضي قدماً. رغم أنهم محاطون بمرض مراوغ قاتل لم ينهاروا أو يفقدوا إيمانهم بقيمة أنفسهم والحياة. صحيح أن هناك كثيرا من الشكوى والتذمر، ولكن من هوايات البشر المفضلة الشكوى من كل شيء، ووفر لهم عام 2020 الذريعة المناسبة ليثبتوا أنهم على حق هذه المرة.
من الأشياء الجيدة الأعمال البطولية التي قام بها القطاع الطبي أو من يسمون الجيش الأبيض حول العالم. لقد أظهروا شجاعة استثنائية. لقد جددوا ثقتنا بالإنسان الذي يتهم دائماً بأنه أناني ويبحث عن مصالحه الضيقة. هذا صحيح بحكم الطبيعة البشرية، ولكنه قد يضحي بنفسه من أجل شيء أكبر منه. وبصفتي صحافيا، يجب أن أحيي الزملاء الصحافيات والصحافيين، فقد أبدوا شجاعة كبيرة في ظروف مخيفة. الزميلات والزملاء في «العربية» و«الحدث» كانوا يذهبون لبؤر الوباء التي يهرب منها الناس لينقلوا للعالم ماذا يدور فيها.
صفقات السلام مع إسرائيل هي من الأشياء الجيدة في 2020. لقد فرضت واقعاً سياسياً جديداً، وستدفع لتغيير النظرة لهذه القضية المعقدة المشحونة بالعواطف والتاريخ بلغة واقعية. إن هذا أكثر ما تحتاج إليه الشعوب العربية التي دفعت الثمن غالياً بسبب استخدام قيادات وزعماء ميليشيات لقضايا قومية ودينية من أجل أجنداتها، لدرجة وصلت إلى ارتكاب مجازر بحق من تدعي الدفاع عنهم. ميليشيات الحوثي ترتكب مجازر مروعة بحق اليمنيين وهي ترفع شعارات دينية.
الصحوة الفرنسية على خطر جماعات الإسلام السياسي في أوروبا خبر جيد في عام 2020. لقد أضاع الأوروبيون كثيرا من الوقت لمعرفة سبب التطرف، وبحثوا عن مبررات غير حقيقية تتحدث عن صراع الهوية والفقر والتهميش وقائمة طويلة، وتجاهلوا أن المرجع هو جماعات الإسلام السياسي التي روّجت لآيديولوجيا الكراهية على نطاق واسع. الحرب على التطرف لن تعرف النجاح إذا لم تحارب عقيدتها الخطيرة المظلمة من الجذور ومحاسبة داعميها. هذه حزمة قليلة من الأخبار الجيدة في عام كان عصيباً. إدراك الأشياء الجيدة التي حدثت به ربما مقدمة مناسبة لبدء العام الجديد بروح غير مثقلة ومتفائلة.
* المدير العام لقناتي
«العربية» و«الحدث»
8:37 دقيقه
TT
أخبار جيدة في 2020
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة