د. ثامر محمود العاني
أكاديمي وباحث عراقي شغل العديد من المناصب الإدارية والأكاديمية، بينها إدارة العلاقات الاقتصادية بجامعة الدول العربية. كما عمل محاضرا في مناهج الاقتصاد القياسي بجامعة بغداد ومعهد البحوث والدراسات العربية. يحلل في كتاباته مستجدات الاقتصاد السياسي الدولي.
TT

قمة العشرين في الرياض والموقف من العملات الرقمية

كلفت قمة العشرين بالرياض (21 - 22 نوفمبر - تشرين الثاني 2020) صندوق النقد الدولي دراسة الآثار المالية الكلية للعملات الرقمية وما يطلق عليها العملات المستقرة العالمية، إذ أكد القادة في البيان الختامي في الفقرة 17 أنه «على الرغم من قدرة الابتكارات التقنية المسؤولة على تحقيق فوائد كبيرة للنظام المالي والاقتصاد، فإننا نتابع التطورات عن كثب، ونظل متيقظين للمخاطر الحالية والناشئة لهذه العملات. ويجب عدم تداول ما يطلق عليها العملات المستقرة العالمية حتى يتم وضع جميع المتطلبات القانونية والتنظيمية والرقابية ذات الصلة بشكل مناسب وبما يتماشى مع المعايير المطبقة». ورحّب القادة بالتقارير الصادرة عن مجلس الاستقرار المالي ومجموعة العمل المالي وصندوق النقد الدولي بشأن ما يطلق عليها العملات المستقرة العالمية. وقد وجّه القادة بوضع المعايير ومراجعة المعايير الحالية في ضوء هذه التقارير وإجراء التعديلات اللازمة.
انتشر التعامل بالعملات الرقمية في كثير من دول العالم، إذ إنها عملة ليس لها وجود مادي، يتم تداولها في الإنترنت فقط وتوليدها من خلال برامج خاصة في الحاسب الآلي، ولا يزال غالبية الناس غير ملمين بخصائص ومخاطر هذه العملات، ولذا فقد وجهت القمة صندوق النقد الدولي لدراسة وبيان حقيقة العملات الرقمية وأنواعها وخصائصها، مع تحليل لأبرز الآثار الاقتصادية الناشئة عن انتشارها واستخدامها وسيلة دفع حديثة، وقد توصل عدد من الدراسات إلى نتائج، من أهمها؛ ضعف البنية التحتية لهذه النقود، ما جعلها عرضة لتقلبات حادة في أسعارها عند أدنى المواقف والأحداث الاقتصادية، كما أن عدم وجود جهة مركزية، تنظم عمليات إصدارها مثل الدولار واليورو والين واليوان وغيرها من العملات، وتدعمها وتحميها عند الأزمات، ساهم في زيادة التذبذبات في أسعار صرفها.
وكان من أهم ما وجّه به القادة من خلال كلماتهم، دراسة ضرورة وجود تنسيق وتعاون نقدي دولي يعمل على وضع الأطر الكفيلة بحماية المتعاملين بهذه العملات، مع العمل على صياغة قوانين تضبط إصدار هذه العملات وآليات تداولها على المستوى الدولي، وإصدار تعليمات إلزامية تمنع تداول هذه العملات، لحين الوصول لضوابط دولية بشأنها.
وقد بدأت فكرة هذه العملة في أواخر عام 2008، وظهرت على أرض الواقع في بداية عام 2009. عن طريق مبرمج مجهول يدعى «ساوتشي ناكاموتو»، الذي تبنى فكرة العملة الرقمية بهدف تغيير العملات التقليدية السائدة واستبدالها بالعملة الجديدة التي تحفظ خصوصية البائع والمشتري ولا تتحكم بها البنوك والحكومات، ويتم التعامل بها من خلال بروتوكول الند للند (متعامل مع متعامل) مع اعتماد تقنيات التشفير الحديثة بهدف زيادة الأمان فيها، ولذا فهي عملة لا توجد إلا في الإنترنت فقط ومن خلال المحافظ الإلكترونية. وتعد العملة الافتراضية «بتكوين» من أكثر النقود الافتراضية انتشاراً وقبولاً، ويمكن الحصول عليها عن طريق «التعدين» وفق آليات محددة، أو من خلال الشراء من الأسواق والبورصات المتخصصة بهذه العملات. وقد ظلت قيمة «بتكوين» متدنية منذ إصدارها في عام 2009. ثم بلغ سعرها 17 دولاراً في عام 2011. وبعد ذلك بدأ سعرها في الارتفاع حتى بلغت قيمتها القصوى في نهاية عام 2013 عندما بدأت عمليات المضاربة الواسعة عليها 1200 دولار، وقد وصل سعرها في بداية عام 2017 إلى 1150 دولاراً، ثم واصلت الارتفاع حتى وصلت بتاريخ 15 - 12 - 2020 إلى 19329 دولاراً، مسجلة ارتفاعاً عن قيمتها البالغة 17852 دولاراً بتاريخ 13 - 12 - 2020؛ أي أن قيمتها تتذبذب على الرغم من ارتفاعها.
وسوف يسبب انتشار هذا النوع من العملات الرقمية عند استخدامها عدداً من الآثار الاقتصادية السلبية؛ التي ينبغي على المتخصصين دراستها، ولا سيما أنه لا دور للدول أو بنوكها المركزية في إصدار هذه العملة الجديدة، ما سيؤثر بشكل كبير في السياسات النقدية للدول، ويقلل من قدرة البنك المركزي على الحفاظ على الاستقرار النقدي من خلال إضعاف دوره في السيطرة على حجم السيولة النقدية وسرعة دوران النقود، وهذا بالإضافة إلى تأثير هذه النقود على السياسات المالية أيضاً، من خلال تأثيرها على حجم الإيرادات الضريبية؛ حيث سيكون من الصعب على السلطات المالية المختصة أن تراقب جميع الصفقات والدخول التي يتم دفعها أو تسلمها بالعملات الرقمية، علماً بأنه قد تستخدم هذه العملات أو النقود كأداة لتمويل الصفقات غير المشروعة، ومع ازدياد ترابط الأسواق المالية الدولية وارتفاع معدلات التعامل الدولي بوسائل الدفع الإلكترونية، فإن حجم المشكلات الاقتصادية والمالية والقانونية التي يمكن أن تنشأ نتيجة لظهور وشيوع النقود الرقمية سيكون كبيراً جداً.
إن العملات الرقمية في تقديري لا تقدم أي إضافة نوعية متميزة عما تقدمه العملات المتداولة الحالية، إذ سيعقد تداولها المشهد المالي الدولي من خلال تمويل الصفقات غير المشروعة والتهرب الضريبي وإرباك وظائف البنوك المركزية في العالم وغيرها من المشكلات المحتملة، إذ يتم تداول عدة ملايين من الأموال يومياً، لا تنتمي لأي دولة، ولا يدعمها وينظمها ويطبعها أي بنك مركزي في العالم، ولا تخضع لسياسات الدول، كما أنها لا تتأثر إلا بقانون الثقة بين المتعاملين وسمعة التعاملات.

* أستاذ الاقتصاد القياسي بجامعة بغداد - مدير إدارة العلاقات الاقتصادية السابق بجامعة الدول العربية