د. ياسر عبد العزيز
TT

كيف تبدو المرأة العربية في الإعلانات؟

في شتاء العام الماضي، أثار إعلان لإحدى الشركات الأوروبية الشهيرة في مجال صناعة السيارات جدلاً واسعاً في فرنسا؛ إذ ظهرت فيه صورة لسيارة من ذوات الدفع الرباعي من إنتاج الشركة مع شعار إعلاني باللغة الفرنسية يقول: «افعل ما بوسعك ليكون عشيق زوجتك هو أنت».
لقد لاقى هذا الإعلان انتقادات حادة، مما دفع الشركة إلى مراجعته رغم عدم ظهور أي امرأة به، إثر اتهامه بالإساءة إلى صورة المرأة عبر وصفها الضمني بـ«الخائنة» و«الطماعة».
لا يمثل هذا الحدث حالة نادرة في صناعة الإعلان حول العالم، وربما لا يكاد يمر شهر من دون أن يثور الجدل وتتصاعد الاتهامات بحق إعلان هنا أو هناك بداعي الإساءة لصورة المرأة و«تسليعها» من أجل تعزيز الإقبال على منتج أو خدمة ما. إذ يلعب الإعلان دوراً مؤثراً في قيم المستهدفين وتوجهاتهم وسلوكياتهم، ولذلك فثمة محاذير كثيرة يجب الانتباه لها عند تطوير المحتوى الإعلاني. وفيما يخص المرأة تحديداً، يبدو أن انتهاكات عديدة تقع عبر تناولها في صورة نمطية محددة، حيث يبرز تركيز واضح من قبل منتجي الإعلانات على جسد المرأة وملامح «فتنتها»، وهو أمر يثير الكثير من القلق والاستهجان.
وللأسف الشديد، فإن قطاعاً كبيراً من الإعلانات المقدمة عبر وسائل الإعلام المختلفة لا يقدم المرأة كانعكاس لوجودها في المجتمع، وإنما ينحو إلى اختزال مكانتها في مركز اجتماعي أدنى، ويحصر وجودها في المنزل أو المطبخ. ومن بين جميع الصور التي تبدو عليها النساء في مجتمعنا العربي، تفيد الدراسات أن ثمة تركيزاً منهجياً على صورة المرأة الشابة، والنحيفة أو ذات الجسد الممشوق، والجميلة. وعندما يتم عرض صور النساء «الأقل جمالاً»، أو «الأقل رشاقة»، أو «الأقل وعياً»، فإن ذلك يجري بصورة تنطوي على «إهانة» أو «تحقير»، في عدد معتبر من الحالات.
لقد توصل عدد كبير من الدراسات التي تناولت صورة المرأة في إعلانات وسائل الإعلام «التقليدية» العربية إلى وجود تركيز على الصورة النمطية للمرأة، واستخدامها كجسد لترويج السلع والمنتجات، مما يؤدي إلى تهميش دورها، وترسيخ صورة نمطية لها مختلفة عن حقيقة دورها في الواقع.
وفي دراسة أجراها كاتب تلك السطور أخيراً، وجد أن بعض مضامين الإعلانات العربية تتفق غالباً في تصدر المنزل كمكان لتصوير الإعلان الخاص بالمرأة بنسبة كبيرة تصل إلى 70 في المائة، وتركز على المرأة الشابة بنسبة ناهزت 90 في المائة، وتستغل جسد المرأة بنسبة تناهز 50 في المائة، وتسلط الضوء على المرأة النحيفة أو ممشوقة القوام بنسبة تناهز 95 في المائة.
ويمكن استخلاص أن معظم الدراسات المعنية بصورة المرأة في الإعلانات المقدمة عبر وسائل الإعلام «التقليدية والجديدة» في العالم العربي اتفقت على بروز صورة سلبية للمرأة لا تتسق مع التصورات عن الدور المأمول لها، في ظل مجتمع ينشد النهضة في المجالات كافة، كما أن تلك الصورة تمثل إساءة للمرأة في حد ذاتها، وتكرّس قيماً سلبية عنها، وتسهم في إبقائها رهن «صورة نمطية» غير مواتية، وهو أمر ينتقل إلى المرأة وبقية مكونات المجتمع العربي عبر الجوانب التأثيرية والإدراكية للمحتوى الإعلاني.
لقد وقعت صدامات كبيرة بين صُناع الإعلان والمؤسسات المنتجة من جانب، وبين الهيئات الضابطة للمجال الإعلاني والمجتمع المدني وبعض مستخدمي وسائط «التواصل الاجتماعي» من جانب آخر على خلفية مواد إعلانية اعتبرت مسيئة ومهينة للمرأة. وهو أمر حدث باطراد في بلدان مثل المغرب ومصر ولبنان، بسبب إعلانات قدمت المرأة في صورة «مشكلة» يسعى والدها للتخلص منها، أو روجت «للزواج من صغيرات السن» على حساب الأكبر سناً، أو ابتذلت المرأة جنسياً.
والواقع أن الانتهاكات التي تقع بحق صورة المرأة المقدمة عبر الإعلانات لا تحدث في الشرق فقط، لكنها تحدث في الغرب أيضاً.
وفي ضوء الإجماع التقليدي الظاهر على كون صورة المرأة في الإعلانات العربية، بشقيها المقدّم عبر وسائل الإعلام الجماهيرية أو وسائط «التواصل الاجتماعي»، تعكس تصوراً نمطياً سلبياً ومسيئاً، يجدر البحث عن حلول وتوصيات عملية فعالة ترسي معايير قابلة للامتثال لها، وتشجع ممارسات إيجابية، وتحد من الانتهاكات والممارسات الحادة والمسيئة لأقصى درجة ممكنة، من دون الجور على حرية الرأي والتعبير، أو تكبيل المقاربات الفنية والإبداعية.
إن مراجعة طريقتنا في تقديم المرأة إعلانياً مسألة مهمة وضرورية، لأن الصور النمطية السلبية تتكرس عبر تلك الإعلانات في العقل الجمعي ويصعب جداً تغييرها.