زهير الحارثي
كاتب وبرلماني سعودي. كان عضواً في مجلس الشورى السعودي، وكان رئيساً للجنة الشؤون الخارجية، وقبلها كان عضواً في مجلس «هيئة حقوق الإنسان السعودية» والناطق الرسمي باسمها. حاصل على درجة الدكتوراه في فلسفة القانون من جامعة كِنت - كانتربري في بريطانيا. وهو حالياً عضو في مجلس أمناء «مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني». عمل في النيابة العامة السعودية إلى أن أصبح رئيساً لدائرة تحقيق وادعاء عام. مارس الكتابة الصحافية منذ نحو 3 عقود.
TT

بايدن ومفاوضات إيران: مشاركة الخليجيين ضرورة

يبدو أن المزاج الإيراني اليوم ليس في أفضل حالاته بعدما تبين لهم من تصريحات الإدارة الأميركية الجديدة أن القادم من الأيام لن يكون مبهجاً كما كانوا يتصورون، وأن معاناتهم بسبب سياساتهم سوف تستمر؛ فخسارة ترمب التي انتظروها بشغف اتضح أنها لا تعني عودة الأمور إلى ما كانت عليه في حقبة أوباما حينما كان الغزل الأميركي الإيراني في قمة ذروته. بايدن أكد أن تطوير إيران سلاحاً نووياً يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي لأميركا وللعالم، مشيراً إلى العودة للاتفاق النووي كأحد أهداف إدارته بشرط أن تفي إيران بالتزاماتها معترفاً بأنه يحتاج إلى تعديلات، ولكنه سيضع مصالح الحلفاء في عين الاعتبار، وأنه لا يؤيد رفع العقوبات.
طبعاً خشية دول المنطقة من أن تكون سياسة بايدن مشابهة لنهج سياسة أوباما الاستسلامية في المنطقة والتي أضرت بمفاعيل استقرارها، فالتردد والتقاعس والتباطؤ الأميركي فسرته طهران آنذاك بأنه ضعف ووهن ما قد يغريها اليوم وتفكر في الاتجاه ذاته، فتبتز الرئيس الجديد في الدول التي لها فيها نفوذ.
ومع ذلك لغة بايدن في الأيام الماضية كشفت عن أن لديه تعاطياً مختلفاً ومقاربة جديدة بشأن الملف الإيراني بشموليته، أي عدم اختزاله بالبرنامج النووي، بل يضم إليه ملف الصواريخ الباليستية ومسألة تدخلاتها في شؤون دول الجوار، وهذا ما كان ينادي به الخليجيون إبان مجريات الحوار التحفيزي الدائر بين الغرب وإيران، حيث عبّروا آنذاك عن قلقهم مما يجري من نقاشات، متسائلين عن سبب التهميش وإغفال دورهم الإقليمي مطالبين بحقهم حينها بالمشاركة في مجموعة (5+1).
وعندما يقول الرئيس بايدن، إنه من المهم مشاركة السعودية والإمارات إلى جانب «الموقّعين الأصليين على خطة العمل المشتركة الشاملة»، في المفاوضات التي ستجريها واشنطن مع إيران، فهذه إشارة إيجابية تبعث على الارتياح؛ فالرجل سياسي مخضرم وليس غريباً عن المنطقة، فهو يخبر دهاليزها ولا تخفى عليه تعقيداتها وخلفياتها، وإن كانت إشكاليته المستقبلية ستبقى في مقارنة قراراته بحقبة الرئيس أوباما ما لم يستطع الانفكاك من أسارها. ومع ذلك، ووفق الرئيس بايدن، فإن الأرضية للمفاوضات مع إيران ستكون الاتفاق النووي، والهدف هو «إطالة أمد القيود على إنتاج إيران للمواد الانشطارية، وإيقاف نشاطات إيران الإقليمية وتدخلاتها، خصوصاً عبر وكلائها في لبنان والعراق وسوريا واليمن».
من المهم أن يستشعر الرئيس الأميركي المنتخب المخاطر الحقيقية التي تتعرض لها دول الخليج ودور الحلفاء وخطورة الأعداء، وبالتالي نعتقد أن نظرته اليوم لما يجري في المنطقة تميل إلى الواقعية وأكثر استيعابية، ففي حديثه لـ«نيويورك تايمز» أكد أن أفضل طريقة لتحقيق بعض الاستقرار في المنطقة تكمن في معالجة البرنامج النووي الإيراني. يقول «إذا حصلت إيران على قنبلة نووية، فإن ذلك سيضع ضغوطاً هائلة على السعودية وتركيا ومصر وغيرها؛ من أجل الحصول على أسلحة نووية أيضاً». من الواضح أن الرجل يعي ما يقول ويفهم ألاعيب إيران وأساليبها الملتوية، وقالها صراحة «إن الولايات المتحدة لديها دائماً خيار إعادة فرض العقوبات (سناب باك) إذا لزم الأمر، وإيران تعرف ذلك». والمثير أنه لم يغفل الإشارة إلى استخدام القوة كبديل، وذكر هذه النقطة في سبتمبر (أيلول) الماضي بقوله «إذا اختارت إيران المواجهة، فأنا مستعد للدفاع عن مصالحنا الحيوية وقواتنا».
أيام صعبة قادمة بلا شك لنظام إيران الذي يرى التدخل في شؤون الدول الأخرى يحقق له السيطرة على تلك الدول، فالخلل في السياسة الإيرانية يكمن في هيمنة الاعتبار الآيديولوجي على المصلحة الوطنية منذ نجاح الثورة الإيرانية في فبراير (شباط) عام 1979، بدليل استمرار تصدير الثورة وإنْ كان بصور مغايرة، وأعاد النظام وضع الخيارات الأمنية والعسكرية في سلم الأولويات على حساب الاستحقاقات الداخلية.
نسمع من حين إلى آخر من مسؤولين إيرانيين عن أهمية التعاون المشترك وقواسم الدين والأخوة والجوار، غير أنه اتضح أنها ليست سوى عبارات إنشائية تدخل في باب الاستهلاك الإعلامي؛ كون العقلية الإيرانية السياسية توسعية ولا تؤمن بالاستقرار، بل بالفوضى. نظرتها استعلائية لدول الجوار من رؤية طائفية وليست من مفهوم الدولة، فضلاً عن سعيها إلى انتزاع صفة المرجعية الدينية والسياسية للشيعة العرب في المنطقة. ومن باب الإنصاف نشيد هنا بحكمة السعودية؛ لأنه رغم ما واجهته من ممارسات وأفعال وأحداث، فإن ضبط النفس والبحث عن مخارج لأزمات المنطقة الملتهبة وعدم التصعيد هو نهج سعودي أنقذ المنطقة من ويلات الحروب.
نستشف من كل ذلك أن بايدن 2021 بالتأكيد لن يشبه بايدن 2012؛ بدليل أنه بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية، أعلن بلسانه أن أميركا ستعود إلى العالم، وأن فترته لن تكون نسخة مكررة عن مرحلة أوباما. صحيح أنه كان عنصراً مهماً في تلك الإدارة، ولكنه اليوم هو الرئيس وصانع القرار ومن يشكل ويقود فريق عمله فضلاً عن كونه مستمعاً جيداً لمستشاريه.
طهران بإمكانها لعب دور إيجابي إذا تخلصت من عقلية الدوغما الثورية وحجّمت طموحاتها الإقليمية وأوقفت تدخلاتها في شؤون دول الجوار وأخرجت قواتها من سوريا والعراق واليمن، واحترمت المواثيق الدولية. إيران في حاجة إلى نقد ذاتي وموضوعي، فالخليجيون لا ينتظرون تطمينات إيرانية وأقوالاً بقدر ما أنهم يريدون أفعالاً تُترجم على الأرض تضمن استقرار الخليج؛ لأنه لم يعد خياراً من بين خيارات، بل هو ضرورة استراتيجية.