سارة هالزاك
TT

«كوفيد ـ 19» والشركات الناشئة

يعاني الاقتصاد الأميركي اليوم أضراراً بالغة، ولا يزال سلوك المتسوقين حذراً ومن المتعذر التكهن به. ومع هذا، خلقت هذه الفترة المضطربة فرصاً ذهبية أمام عالم الشركات الناشئة في مجال السلع الاستهلاكية. من جانبها، تقدمت شركة «دورداش إنك» لتوصيل المواد الغذائية، بطلب لطرح عام أوّلي، لتسطر بذلك فصلاً جديداً في حياتها التجارية بعد فترة قصيرة من جمعها 400 مليون دولار في جولة جمع أموال خاصة.
كما أفادت تقارير بأن «إنستاكارت»، تطبيق توصيل البقالة، يستعد لطرح عام أولي بقيمة هائلة تبلغ 30 مليار دولار في أعقاب جولة تمويل بقيمة 200 مليون دولار، أعلن عنها في أكتوبر (تشرين الأول).
لم تكن هذه الأسماء المألوفة وحدها في الحصول على تصويت بالثقة هذا العام من أصحاب رؤوس الأموال المغامرة، فقد اتضح أن عام 2020 يتشكل ليكون أحد أفضل الأوقات على الإطلاق للشركات الناشئة الاستهلاكية. وبلغ إجمالي الصفقات والتمويل لهذه الشركات أكثر من 6.6 مليار دولار خلال الربع الثالث من العام، تبعاً لما أعلنته مؤسسة «سي بي إنسايتس». ومن المتوقع أن يصل إجمالي التمويل للعام قرابة 18 مليار دولار، ما يشكّل أعلى مستوى على الإطلاق.
ويعكس بعض هذه الأرقام الصفقات المبهجة التي أبرمتها شركات «يونيكورن»، مثلما حدث عندما جمعت شركة «أوتلي إيه بي» السويدية لصناعة الألبان النباتية 200 مليون دولار هذا الصيف من مستثمرين من بينهم عدد من المشاهير أمثال أوبرا وينفري وجاي زي. من ناحيتها، سجلت «سي بي إنسايتس» 414 صفقة في القطاع خلال هذا الربع، وهو ليس بعيداً عن متوسط عدد الصفقات الفصلية في السنوات الأخيرة، ما يدل على أن الجوائز لن تقتصر على مجموعة صغيرة من الشركات.
من جهتي، شعرت بالدهشة بادئ الأمر من أن هذه النشاطات لم يجمّدها الوباء، واستفادت الأسماء المتمردة مثل «دورداش» و«إنستاكارت» بحكم طبيعة تركيزها على تلبية احتياجات أولئك القابعين داخل المنازل. ومع ذلك، افترضت أن هناك عوامل أخرى ستدفع المستثمرين للوقوف برهة والتركيز بشأن سلة أوسع من الشركات الاستهلاكية. ألن يتم تأجيلهم بسبب تراكم إغلاق المتاجر وحالات الإفلاس التي شهدها عالم البيع بالتجزئة في الأشهر الأخيرة؟ أو أنها شعرت بالردع بسبب تصريحات المديرين التنفيذيين في شركة «بروكتر آند غامبل» وآخرين داخل الصناعة حول عودة المستهلكين إلى العلامات التجارية الكبيرة الموثوق بها؟
ومع ذلك، يظل هذا مجرد جزء من الواقع، ففي الوقت الذي أدَّى الوباء فيه إلى تسريع وتيرة تدهور بعض سلاسل البيع بالتجزئة التي كانت تواجه صعوبات بالفعل، فقد كان أيضاً بمثابة عامل تسريع للعديد من الاتجاهات التي يراهن عليها مؤسسو الشركات الناشئة ومستثمرو رأس المال الاستثماري.
الملاحظ أن الناس كانوا قد أبدوا ميلهم بالفعل تجاه الملابس غير الرسمية والأساليب الرياضية قبل أن تجعل الحياة في المنزل السراويل الرياضية زياً يومياً. وبالتأكيد كانت هذه خلفية مفيدة لشركة «أولبيردز» التي أعلنت جولة جمع أموال بقيمة 100 مليون دولار في سبتمبر (أيلول) وأضافت في الفترة الأخيرة الملابس إلى خطوط إنتاجها.
تعد الصحة واللياقة البدنية مجالاً آخر كان تركيزاً متزايداً للمستهلكين حتى قبل أن تقدم أزمة الصحة العامة سبباً لإعادة التفكير في إجراءات الرعاية الذاتية وتطوير استراتيجيات المواجهة. الآن، قد يكون الاهتمام المتزايد بهذا المجال بمثابة نعمة للشركات الناشئة في مجال اللياقة البدنية مثل «تونال» أو شركات تطبيقات التأمل مثل «كام»، والذي أفادت «بلومبرغ نيوز» في أكتوبر أنه كان يستكشف جولة لجمع أموال بما يكافئ ضِعف قيمته التقديرية خلال عام 2019.
في هذه الحالات، ليس الأمر كما لو أن أصحاب رؤوس الأموال المغامرة بحاجة إلى تجديد أطروحاتهم الاستثمارية، وإنما هم ببساطة يحتاجون إلى إعادة تقييم جدول زمني لهم لتنفيذها، والجيد في الأمر أن العديد منهم لديهم رأس مال وافر لنشره.
كما سلط الوباء الضوء على نحو مختلف على اتجاهات المستهلكين الحالية. كانت بدائل اللحوم، على سبيل المثال، تشق طريقها بالفعل إلى قوائم مطاعم سلاسل المطاعم ورفوف متاجر البقالة، مع تحول الأنظمة الغذائية التي تركز على النبات إلى أن تكون أكثر شيوعاً. بعد ذلك، خلال الأيام الأولى للوباء، أظهر نقص اللحوم نقاط الضعف في سلسلة التوريد لهذا القطاع، الأمر الذي أعطى المستثمرين مزيداً من الأسباب الداعية لدعم صانعي البروتينات البديلة مثل «إمبوسيبل فودز» والتي أعلنت جولة لجمع الأموال بقيمة 200 مليون دولار في أغسطس (آب).
من المعروف أن الشركات الناشئة يجب أن تبحث عن «المساحة البيضاء»، وقد خلق الوباء بالتأكيد بعضاً من هذه المساحات، مع إغلاق تجار التجزئة الحاليين آلاف المتاجر والعلامات التجارية للسلع المعبأة الذين تخلّوا عن الأشياء غير المنتجة. وبالتأكيد، فإن اختفاء المتاجر والمنتجات المألوفة لا يترك للمستهلكين أي خيار سوى إعادة النظر في إجراءات التسوق التي كانوا يتبعونها سابقاً.
في هذا الصدد، قالت كريستين غرين، الشريك الإداري لدى مؤسسة «فوررنر فنتشرز»، إن بعض المستهلكين على ما يبدو «يشترون أقل، لكنهم يشترون على نحو أفضل»، مع دفع أسلوب الحياة القائم على التزام المنازل لفترات طويلة الأشخاص نحو التفكير أكثر في قرارات الشراء.
ويتمثل التحدي الأكبر أمام الشركات الناشئة في مجال السلع الاستهلاكية في التنقل عبر دهاليز عالم عقد الصفقات الذي أصبح معقداً منذ أن بدأ الوباء. وفي هذا الصدد، قالت كايتلين ستراندبرغ، المستثمر الرئيسي في شركة «ليري رهيبو»، إن الصفقات أصبح يجري إبرامها بسرعة خصوصاً في الوقت الراهن، الأمر الذي يرجع لأسباب منها أنها بيئة شديدة التنافسية، إلى جانب صعود ظاهرة الاجتماعات الافتراضية.
وموجز القول إن الوباء تسبب في زعزعة طلب المستهلكين وأنماط التسوق على نحو أدى إلى تسطيح العديد من الشركات القائمة، لكنه فتح في الوقت ذاته الباب على نطاق واسع أمام الشركات الناشئة.

* بالاتفاق مع «بلومبرغ»