نيل كويليام
TT

4 أسباب لديمومة العلاقات الأميركية ـ البريطانية

تدخل وسائل الإعلام البريطانية، في أعقاب انتخاب كل إدارة جديدة في الولايات المتحدة الأميركية، في حالة من القلق بشأن حالة ما يُعرف بـ«العلاقة الخاصة» بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة.
وعلى مدار جولات الانتخابات الرئاسية الأميركية القليلة الماضية، كانت وسائل الإعلام في المملكة المتحدة تركز بصورة خاصة على تمثال نصفي لرئيس الوزراء البريطاني الشهير الأسبق ونستون تشرشل: سواء كان داخل المكتب البيضاوي في البيت الأبيض أو هو خارجه.
وليس هناك من شك في أن العلاقات الثنائية التي تربط بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة تتَّسم بالجودة، والقوة، والرسوخ، بيد أن الهوس الإعلامي بإضفاء صفة «الخصوصية» على تلك العلاقات هو انعكاس للاهتمام البريطاني أكثر من الاهتمام الأميركي المماثل. وهذا ليس من الأمور المستغربة بحال، ولذلك، فإن فوز الرئيس الأميركي المنتخب جوزيف بايدن على الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة يفتح مجدداً حلقة النقاش بشأن وضع العلاقات الثنائية ما بين البلدين، سيما مع توقعات الأشخاص الأعلى صوتاً وضجيجاً – والأكثر تشاؤماً – لاستشراف طريق ووعر في المستقبل المنظور، لا سيما بالنسبة إلى حكومة المملكة المتحدة من دون غيرها. ومن بين عدة أمور أخرى، فإن البعض يشير إلى حالة عدم الارتياح التي تعتري الرئيس المنتخب بايدن بشأن مغادرة المملكة المتحدة لعضوية الاتحاد الأوروبي (بريكست)، مع تأثير أصوله وتراثه الآيرلندي على صياغة وجه السياسات الخارجية الأميركية في حالة أسفر «بريكست» عن تعريض «اتفاق الجمعة العظيمة» للخطر، فضلا عن التعليقات المتسمة بالازدراء من جانب رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون التي كانت قد صدرت من قبل إزاء الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما. وباستثناء النقطة الأخيرة من سياق الأحداث، ينبغي لتلك الأمور أن تكون موضع النظر والعناية – وربما القلق - من جانب الحكومة البريطانية.
في حين أن الكثير من الأمور تتعلق بالعلاقات التاريخية، والقيم المشتركة، والأهداف المتسقة ما بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، إلا أن مستوى المنافع والمصالح التي تستفيد بها واشنطن من لندن سيشهد تراجعاً ملحوظاً بمجرد مغادرة المملكة المتحدة لعضوية الاتحاد الأوروبي. فلقد كانت العلاقات الثنائية، والروابط المؤسسية الراسخة، فضلا عن التحدث باللغة المشتركة قد جعلت جميعها من لندن تقوم بدور المحاور الجيد للغاية وبصورة خاصة داخل أروقة الاتحاد الأوروبي، مما يمكن الولايات المتحدة من الدفع وتعزيز مصالحها بصورة غير مباشرة هناك، في حين الاستمرار في التواصل بصفة مباشرة أيضا مع كل من باريس، وبرلين، وبروكسل – أو ما يُعرف بحركة «الكماشة – بُغية الإحاطة» الدبلوماسية بمفهومها الكلاسيكي. ومن المرجح في الفترة المقبلة للعلاقات بين الولايات المتحدة والبلدان الشريكة في الاتحاد الأوروبي – فرنسا وألمانيا – أن تتعزز وتتعمق مع وصول السيد بايدن إلى أعتاب البيت الأبيض وتولي مهامه الجديدة. كما أن الرئيس الأميركي المنتخب يتطلع إلى إصلاح وتنضيد الشراكات مع حلفاء الولايات المتحدة في الخارج، مع إعادة التعامل المباشر مع المنظمات الدولية ذات الأهمية، مثل منظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ومنظمة الصحة العالمية. وعلى هذا النحو، ستحتل المملكة المتحدة أدنى مرتبة على قائمة البلدان ذات الأولوية بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وسيكون لذلك تأثيره الفوري فيما يتعلق بالتوصل إلى اتفاق تجاري بين الجانبين، بصرف النظر تماماً عن مقدار التقدم المحرز على هذا المسار أثناء إدارة الرئيس دونالد ترمب. وفي واقع الأمر، من المتوقع أن تتدهور الأهمية التي تحظى بها المملكة المتحدة بالنسبة إلى الولايات المتحدة وبأكثر مما كانت عليه الأوضاع في الماضي. ومع ذلك، ليس هناك من سبب وجيه يدعونا للاعتقاد بأن العلاقات ستتدهور للغاية، وهناك أربعة أسباب على أقل تقدير تدفع على مسار قوة وديمومة العلاقات الثنائية بين البلدين، كما يمكن القول بأنها ربما تشهد صورة هي أفضل بكثير مع مغادرة الرئيس دونالد ترمب للبيت الأبيض قريباً.
السبب الأول، ستكون هناك عودة حقيقية إلى الحياة الطبيعية في العلاقات الحكومية الثنائية بين البلدين. فعلى مدار السنوات الأربع الماضية، كانت الأوضاع تزداد صعوبة على الحكومة البريطانية في اكتساب قوة الجذب المطلوبة إزاء نظرائها في الولايات المتحدة. فلقد كان هناك الكثير من الملفات ذات الأهمية تحت أيدي الرئيس دونالد ترمب وفريقه الرئاسي المباشر في الإدارة الأميركية، مما كان يعني أن العلاقات الشخصية خيمت بظلالها القوية على القنوات الدبلوماسية المعتادة بين البلدين. وفي حين أن ذلك كان يصبُّ في صالح رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بدرجة من الدرجات، إلا أنه كان له تأثير بالغ السوء على السيدة تيريزا ماي حال توليها لمهام المنصب الرفيع نفسه قبل السيد جونسون. كانت المقاربة شديدة الشخصانية التي اعتمدها الرئيس ترمب في صناعة السياسات الخارجية بالولايات المتحدة تعني وجود حالة من الالتفاف على المؤسسات المعنية بالأساس بإدارة وتنفيذ الأعمال والمجريات الحكومية بين البلدين، ولقد صارت تلك المؤسسات منبتة الصلة تماماً بمجريات الأمر الواقع في بعض الحالات. على سبيل المثال، كانت هناك حالة من التهميش – أو ربما الحصار – التي عانت منها وزارة الخارجية الأميركية في العديد من المناسبات مما كان له بالغ الأثر المباشر على وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث البريطانية، وعلى مقدرتها كذلك في تبادل ومشاركة المعلومات، والتحليلات، والمعلومات ذات الطبيعة الاستخبارية المستعان بها في توجيه دفه السياسات الخارجية في الولايات المتحدة. وفي عهد الرئيس المنتخب جوزيف بايدن – كما هو متوقع، يمكننا أن نفترض معاودة تعزيز الروابط المؤسسية بين الحكومتين البريطانية والأميركية مرة أخرى، مع تحسن عمليات التنسيق ما بين الوزارات، والجيوش، والوكالات الحكومية المعنية لدى المملكة المتحدة والولايات المتحدة.
السبب الثاني، حقيقة مفادها أن السيد جوزيف بايدن كان قد أشار في وقت مبكر إلى أنه يعتزم منح الأولوية لملف التغيرات المناخية، كما أنه أشار مسبقاً إلى أن الحكومة الأميركية ستعاود الانضمام مجدداً إلى اتفاقية باريس المناخية، الأمر الذي يوفر للحكومة البريطانية الفرصة المثلى لاكتساب الأهمية والفعالية على نحو متزايد، حيث إنها لا تتولى رئاسة مؤتمر منظمة الأمم المتحدة للتغيرات المناخية في العام المقبل فحسب، وإنما كانت قد أسست من تواجدها الصريح كقوة قيادة رائدة على سبيل هذه القضية الملحة ذات الأهمية والأولوية العالمية.
السبب الثالث، من المرجح لملفات الدفاع والأمن أن تتخذ موضعها المعتاد في صميم العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وفي حين أنه من المنتظر أن يختلف منهاج السيد بايدن عن نظيره السيد ترمب إزاء التعامل مع حلف شمال الأطلسي، إلا أن الرئيس الأميركي المنتخب يتوقع من كافة الشركاء المعنيين الاضطلاع بمسؤولياتهم وتحمل تبعاتها كاملة. ومن هذا المنطلق، تحظى الحكومة البريطانية بميزة حقيقية على جيرانها في القارة الأوروبية، وكانت قد أعربت عن التزامها بدرجة كبيرة إزاء تلبية إسهاماتها لما يتعلق بمنظمة حلف شمال الأطلسي، كما أعربت على الدوام عن استعدادها لنشر القوات العسكرية البريطانية جنباً إلى جنب مع القوات الأميركية، ومن تلك العلاقة أن تستمر وتحظى بوضعية جيدة ومعززة، طالما ظل رئيس الوزراء البريطاني محافظاً على تلك العلاقة وعلى هذا المسار.
أخيراً، وحتى مع خروجها من عضوية الاتحاد الأوروبي، من شأن الحكومة البريطانية مواصلة العمل عن كثب مع الحكومتين الفرنسية والألمانية فيما يتصل بقضايا السياسات الخارجية ذات الأهمية، من شاكلة إحياء «خطة العمل الشاملة المشتركة» (الاتفاق النووي الإيراني)، مع تناول مسألة تمدد إيران في منطقة الشرق الأوسط. ولدى الحكومة البريطانية الكثير مما تقدمه لنظيرتها الأميركية فيما يتعلق بهذا الملف المهم، على اعتبار العلاقات التاريخية القديمة التي تربطها بالمنطقة وبلدانها، وقوة وعمق تلك العلاقات، فضلا عن رصيد هائل من التفاعلات والمجريات الدبلوماسية ذات الطبيعة المتراكمة عبر السنين.
ربما يثور قدر طفيف من الشكوك تتعلق بتراجع القيمة الحقيقية للمملكة المتحدة بالنسبة إلى الولايات المتحدة، سيما مع خروج الحكومة البريطانية من عضوية الاتحاد الأوروبي حال تولي الرئيس الأميركي المنتخب مهام منصبه الجديد. ومع ذلك، لدى الحكومة البريطانية الكثير من الأسباب ووجهات النظر التي تقنع بها الرئيس الأميركي الجديد بضرورة، وأهمية، وديمومة العلاقات الثنائية بين البلدين، تلك التي من المرجح أن تتفوق على مظاهر العظمة، والأبهة، والتفاخر التي كانت أبرز ما يميز سنوات الرئيس ترمب داخل البيت الأبيض. ورغم ذلك، في حين تواصل المملكة المتحدة وصف العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة بـ«الخاصة» للغاية، فمن المحتمل للولايات المتحدة أن تعاود النظر في الأمر وتعلن موقفها بقولها: أيا كان!
* زميل مشارك في المعهد الملكي للشؤون الدولية بلندن – «تشاتام هاوس» والمدير التنفيذي لـمؤسسة
«أزور للاستشارات الاستراتيجية»