فرديناندو جوليانو
TT

هل الإغلاق أصبح منطقياً الآن؟

جاء اكتشاف ما بدا كأنه لقاح فعّال ضد مرض «كوفيد - 19» ليُنعش الآمال في أنه وضع نهاية لأسوأ وباء، وإذا ما نجح ذلك فلسوف تَثبت أيضاً صحة الاستراتيجية المثيرة للجدل التي تقول إن إبطاء انتشار ذلك المرض لن يتأتى إلا بفرض قيود صارمة على نشاطات الناس.
كانت الفكرة الأساسية وراء «الإغلاق» تتلخص في تقليل العدوى ليخف الضغط على المستشفيات. لكنّ هذه الاستراتيجية انطوت على خلل كبير، لأنها لم تنجح في وضع حد نهائي لتفشى الوباء. ثم حدث بعد ذلك أن خفّت حدة الوباء في الصيف بفضل القيود التي فرضتها الحكومات في الربيع. ولكن بعد أن عمل الساسة على تخفيف القواعد، نجح الفيروس في استعادة قوته. ويبدو أن النمط نفسه بدأ يظهر في الولايات المتحدة، حيث تخوض مدينة نيويورك وغيرها من المدن معارك في مواجهة موجة ثانية صاعدة.
إن شراء الوقت أمر منطقي إذا كنت تحاول الحد من عدد الأشخاص الذين يلتقطون أشد أشكال مرض «كوفيد - 19» حدة في توقيت متزامن، وهو ما لا يسمح للأطباء بالعناية بهم بشكل أفضل. لكن ذلك لن يكون فعّالاً إذا لم تكن لديك ما تنهى به اللعبة نهاية جيدة في المستقبل، باستثناء الإغلاق المستمر وإعادة فتح اقتصادنا.
إنَّ أنصار «مناعة القطيع» -ومعارضي الإقفال- كثيراً ما ينطلقون من فرضية مفادها أنه لا جدوى من محاولة إبطاء الفيروس، حيث إننا سوف نصاب به جميعاً في نهاية المطاف. ولا يؤدي إغلاق المدارس والمتاجر والمطاعم إلا إلى تأخير ما لا مفر منه، وهي الفكرة التي جعلت السويد مشهورة في الموجة الأولى من تفشي المرض.
ويخفض الإعلان الصادر عن شركتي «فايزر المحدودة» و«بيونتك إس إي» الأسبوع الجاري –إذا كان مدعوماً ببيانات إضافيّة- من هذا الاتجاه من التفكير. وهو ما يؤكد أن لقاحاً واحداً على الأقل ربما يكون متاحاً على نطاق واسع في الفترة من أوائل إلى منتصف عام 2021. وإذا كان الأمر كذلك فمن المنطقي أن تستمر البلدان في تقييد الفيروس لبضعة أشهر أخرى بغرض الحد من الوفيات إلى أن ينتشر التحصين على نطاق واسع. وإذا افترضنا أن الحكومات قادرة على توزيع الجرعات الأولى على الفئات الأكثر عُرضة للخطر وأنها ستكون فعّالة، فإنَّ بضعة أشهر فقط من الانتظار قد تنقذ العديد من الأرواح.
وهذا لا يعني أن الحكومات لا بد أن تختار التقيد بالإقفال الكامل. فقد احتوت بلدان مثل ألمانيا الموجة الأولى رغم فرضها قيوداً أقل من تلك التي فرضتها دول مثل إيطاليا وإسبانيا. ومن المهم وجود نظم فعالة لاقتفاء الأثر وعمل شبكات قوية في المستشفيات.
وهناك أيضاً إشارات مبدئية تشير إلى أن الموجة الثانية قد تستقر في أجزاء من أوروبا، مثل المملكة المتحدة، على الرغم من أن عمليات الإغلاق أصبحت أقل مرونة الآن مقارنةً بالربيع -استناداً على سبيل المثال إلى القيود الإقليمية وعمليات الإغلاق المستهدفة للشركات. وإذا لم تتسارع الحالات ودخول المستشفيات ثم تهبط في نهاية المطاف، فقد يكون من الممكن تجنب التدابير الصارمة في الوقت الذي يتجه فيه المنحنى إلى الهبوط.
إنَّ اكتشاف لقاح فعّال من شأنه أيضاً أن يؤثر على السياسة الاقتصادية. وإذا كانت البلدان في احتياج إلى الانتظار بضعة أشهر أخرى قبل أن تعود الحياة ببطء إلى طبيعتها، فإنَّ هذه الحجة تصبح أكثر قوة في ظل الحاجة إلى دعم مالي ونقدي سخي للغاية. وفي عالم لا يخلو من احتمالات انتشار التحصين على نطاق واسع، أصبح من غير المنطقي أن تستمر في دعم المشاريع التجارية التي قد تصبح غير قابلة للاستمرار في نهاية المطاف. إذاً لماذا لا نتكيّف مع «المعتاد الجديد» ونتقبل المزيد من حالات الإفلاس ونعمل أيضاً على إعادة تدريب العمال؟
وعلى النقيض من ذلك، يشير اللقاح إلى أن الركود الحالي مؤقت، وأن الحكومات لا بدَّ أن توفر جسراً مالياً للشركات والموظفين.
هناك حتماً العديد من الأسباب الداعية إلى الحذر، إذ لا تزال «فايزر» و«بيونتك» في انتظار المزيد من البيانات لضمان أمان اللقاحات، ونحن لا نعرف إلى متى ستدوم فاعلية التحصين، ولا إلى أي مدى قد تدوم بالنسبة للفئات الفرعية مثل المسنين، وما إذا كان بإمكانه منع أسوأ أشكال «كوفيد - 19». سيستغرق توزيع اللقاح بعض الوقت، وستؤدي الحاجة إلى تناول جرعتين إلى تأخير برنامج التحصين. وقد تستمر الحكومات في التسبب في حالات وفاة من دون داعٍ ما لم تعمل على تنفيذ الخدمات اللوجيستية على ما يرام.
إن الاكتشاف السريع لوصفة فعّالة لعلاج ظاهري يبرر بعض الخيارات الصعبة التي اتُّخذت في مختلف أنحاء العالم. فالتعامل مع القيود ليس بالأمر اليسير ولكنه خيار يستحق العناء.

- بالاتفاق مع «بلومبرغ»