د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

المفتاح الانتخابي

رفع الرئيس الأميركي سماعة الهاتف ليتصل بناخبة لا يعرفها، فقال لها من دون مقدمات: مرحباً أليسا، أنا باراك أوباما، هل تتذكرينني؟ (في إشارة إلى أنه رئيس البلاد السابق).
صعقت المرأة وقالت بصوت متهدج: يا إلهي.. لا أكاد أصدق ذلك. فرد أوباما: أنا أحاول الاتصال بأشخاص عدة وأنتِ أحدهم، وكلي أمل أن تصوتي لمرشح الرئاسة الأميركية الديمقراطي جو بايدن! لم تتمالك الناخبة نفسها من الفرح ووعدته بأنها ستفعل، بل وستخبر سائر أفراد العائلة بهذه المكالمة التاريخية. الرئيس الأميركي يبدو أنه قد أخذ رقمها من كشف للناخبين الموضوع على مكتبه. وما فعله أوباما أنه صار «مفتاحاً انتخابياً»، كما نسميه في عالم الانتخابات، وذلك «لإيمانه» بمبادئ يحملها المرشح الانتخابي.
شخصياً أمضيت سنوات طويلة منذ 1992 في أجواء الانتخابات البرلمانية الطاحنة في دولة الكويت، رأينا فيها العجب العجاب من أصناف الناخبين والمفاتيح المنافسين وغيرهم ممن كانوا يركبون موجة الانتخابات، ليس لإيمانهم «بأفكار ومبادئ» مرشحهم، بل «لهدف آني» وهو أن يمنحه المرشح منصباً إشرافياً كبيراً أو صفقة مالية على حساب الوطن وخيرة المتنافسين. وما إن يخيب ظنه ويصطدم بمرشحه حتى «ينقلب رأساً على عقب»، ويبدأ بالهجوم الكاسح على مرشحه والتشهير والتعريض به وبكل قرار يتخذه بعد نجاحه.
الدنيا مصالح، وهذا أمر مفهوم، لكن أن تحارب مرشحاً ليس لسبب سوى أنه كان يحاول تطبيق القانون فهذه ليست من مروءة الناخب، ولا تعكس حب الوطن الحقيقي، بل وهناك شرخ كبير في القيم التي يحملها ذلك الفرد. اجتماعياً، يمكن أن «تزعل»، لكن أن تتهم مرشحاً أميناً بكل عيوب العالم لأنه لم يحقق لك هدفاً شخصياً (على حساب بلدك) فهذا خطأ كبير لا يغتفر.
شرف الخصومة نراه في تصارع الأفكار الأفضل لمصلحة الوطن أو المؤسسة، لكن ما إن تحيد نحو «الشخصانية»، فإن المفتاح أو الناخب يخرج عن قواعد اللعبة.
مشكلتنا في الانتخابات العربية السياسية والنقابية والطلابية تكمن في اعتقاد البعض بأن خصمهم يستحق الوأد والنفي، ويفرح حينما يحدث له مكروه كالاعتقال التعسفي، وينسى أنه قد يتعرض للموقف نفسه فيقع في فخ التناقض مع مبادئه. من المشكلات التي عانينا منها عندما كنا قياديين في قائمة الوسط الديمقراطي بالجامعة، أن منافسينا كانوا يحاولون إقناع الناخبين بأنهم الأفضل على اعتبار أنهم يطرحون طرحاً دينياً أو فئوياً، ولم نكن ندرك ما علاقة ذلك بوجود برنامج انتخابي حقيقي وشامل نحاول من خلاله تقديم خدمات أفضل للطلبة؛ أو للمواطنين في الانتخابات العامة.
يحق للإنسان اعتناق أي مذهب أو توجه ويدافع بقوة عمن يمثله، لكن لا يحق له نفي الآخرين أو الدعوة لوأدهم ليس لسبب سوى أنهم يخالفونه الرأي.