خالد البسام
كاتب ومؤرخ بحريني
TT

بوصلة الضحك

سئل فيلسوف صيني قديم عن رأيه في الضحك، فرد مبتسما: «الضحك يشبه البكاء في التأثير على الروح والقلب، غير أن الفارق الكبير هو أن الضحك يطيل العمر ويبهج حياة الإنسان، بينما البكاء يقتل الدنيا»!
هل نحن في وارد أن نضحك اليوم؟ السؤال إجابته لا تحتاج إلى غش أو تفكير وكأننا في امتحان دراسي. فنحن نستطيع أن نرد وبسرعة بأن الضحك هو مأوانا الأخير وخط دفاعنا الوحيد أمام مصائبنا التي كتب علينا ألا تنتهي.
كل شيء اليوم في حياتنا وأخبارنا وديارنا وناسنا يثير لا الأحزان فقط، بل أن نذرف من الدموع أنهارا ومن حرقة القلب سنوات وقرونا. فلم يعد هناك ضحك من القلب ولا من الرأس ولا من أي مكان في جسدنا يجعلنا نطير فرحا، ونسمع ضحكات مرت سنوات طويلة لم تخرج منا.
نكاد اليوم ننسى الضحك أو هو ينسانا. وإذا بقي منه شيء بسيط فهو كالذكريات الحلوة التي نتذكرها في نوادر أوقات الحياة وفي لحظات صفائها.
بل يكاد الضحك يختفي من حياتنا ويضيع من قلوبنا التي أدماها الحزن على كل هذا الخراب الحاصل، والدمار والحروب الصغيرة والكبيرة، والخيام المتناثرة في البراري، وعلى الجوع والتشرد الذي صار جزءا مهما من حياتنا.
تبخر الضحك منا ونحن نشاهد الأخبار ونقرأ الصحف ونشاهد بكاء الجرحى وصرخات الأمهات الثكلى والأطفال الذين تهدمت بيوتهم الصغيرة فوق رؤوسهم بلا رحمة.
إذا قدر لنا اليوم وضحكنا فالكثير سوف يعتبرنا مجانين أو غير مبالين بالحياة، أو بشرا لم نجد أطلالا نبكي عليها فوقفنا نبكي على ما يضحك، ونضحك على ما يبكي!
انقلبت الدنيا فصارت دنيا تخجل من الضحك وتفرح من البكاء، وتتوارى من الفرح بينما تبحث عن الحزن بأي ثمن!
الضاحكون اليوم هم فئة ضالة في مجتمعاتنا. وبشر لا معنى لهم ولا هدف عندهم إلا التفاهة في عصر الجدية والتكنولوجيا!
هل التكنولوجيا تريد منا أن نكون بائسين وثقلاء دم ومكتئبين مثلا؟
لا شيء في الدنيا اليوم يريد منا أن نحزن سوى هؤلاء الذين يعيثون في الأرض بؤسا وحروبا وأمراضا نفسانية لا عد لها ولا حصر. وما أكثرهم عندنا يا للأسى!
نحتاج الضحك اليوم وغدا ولو استطعنا لجعلناه بالأمس أيضا، نحتاجه لكي يعيد لنا بوصلة الحياة العادية، وأن نعيش مثل باقي البشر في الدنيا الذين يضحكون ويحزنون، يذرفون الدموع لكنهم أيضا يقهقهون على نكات الحياة وطرائفها التي لا تتوقف.
محتاجون للضحك كي يحمينا من ضياع الأحزان التي لا تنتهي إلا بعد أن تزهق أرواحنا، ويزور أولادنا مقابرنا الصغيرة.
من المهم أن نستعيد الضحك والبهجة والفرح إلى قلوبنا وحياتنا كي نطرد نكد الدنيا قبل فوات الأوان. وكي نستعيد كل ما هو جميل في الحياة قبل ضياع الوقت المخصص لنا كي نعيش ونحيا كما هو مكتوب لنا من قبل رب العالمين.
نريد أن نستعيد البهجة والضحك اللذين ضاعا في زحمة الحروب العبثية والاقتتال الطائفي البغيض، واختفيا في غمرة بنادق ومدافع لا تزال تتنازع على فتات موائد الخراب والمصائب!
نحن بحاجة ضرورية لأن نضحك فرحين كي نطرد الأرواح الشريرة للكآبة والهموم من أرواحنا التي احتلت من قبل الغزاة الذين يكرهون الضحك والمرح.
طوبى لمن يضحك اليوم من قلبه. وطوبى حتى لمن يتذكر أن عليه واجبا في الحياة أن يضحك بل ويموت من الضحك. وطوبى لبشر أرجأوا دموعهم إلى أوقاتها التي نتمنى، ونحن فرحون، ألا تأتي على الإطلاق!