طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

«رفقاً»... الممنوع في زمن اللاممنوع!

كثيراً ما نتابع على «السوسشيال ميديا» دعوات بالمقاطعة لفلان أو علان. عندما يصدر عن شخصية عامة عمل فني أو تصريح يثير غضب فئة من المجتمع، يتم استغلال النافذة الجديدة، بعد أن صارت الوسائط الاجتماعية هي السلاح الأقوى والأمضى لتحقيق هذا الهدف للمطالبة بالمنع.
ويبقي السؤال: هل فعلاً تنجح مثل هذه الدعوات؟ المؤسسة الدينية في مصر ترفض تداول أغنية «رفقاً» لأصالة، بدعوى أنها استخدمت في الكلمات مقطعاً مستمداً من حديث شريف (استوصوا بالنساء خيراً). وطالب قسم الفتوى في الأزهر المواطنين بالمقاطعة، فهل تمت الاستجابة؟ ما تابعناه أكد أن الأمر لا يزال في إطار الجدل. عدد من الدعاة خارج المؤسسة الرسمية دافعوا عن الأغنية ولم يجدوا فيها ما يدعو للغضب.
في الماضي القريب، كانت الدول تملك كل التفاصيل. التلفزيون المصري في الستينيات عندما كان يعرض أي فيلم قديم في أحد مشاهده صورة للملك فاروق، يتم التعتيم عليها. وأشهر هذه المشاهد أغنية «عاشق الروح» بصوت عبد الوهاب في فيلم «غزل البنات»، بينما في الثمانينيات صارت الصورة مباحة للجميع. وبعض الأغاني حذفت منه مقاطع مثل «أنشودة الفن» لعبد الوهاب وتحديداً هذا المقطع «الفن مين شرفه غير الفاروق ورعاه». 
وقد تتدخل القيادة السياسة للحذف مثل أغنية فريد الأطرش «ياعوازل فلفلوا... ما قالي وقلت له». وتردد وقتها أن رئيس الوزراء مصطفى باشا النحاس استشعر أن هناك معايرة سياسية وهو المقصود بـ«العوازل»، ولهذا صادرها مدعياً أن كلماتها لا تليق اجتماعياً. لم يستمر المنع طويلا، فبمجرد مغادرة النحاس الكرسي، صارت الأغنية الأكثر تداولاً في الشارع.
مثلاً أغنية «أحب الوشوشة» لشادية، ورغم أنها لا تحمل ما يمكن أن يغضب أحداً، وكلنا نمارس بين الحين والآخر الوشوشة، إلا أنهم قالوا إنها طريقة مستهجنة لا ينبغي أن تسهم الأغاني في ترويجها. كما أن البعض منح الوشوشة بعداً سياسياً، خاصة أنها قدمت بعد «ثورة 23 يوليو»، ووجدوا في الوشوشة ما يمكن أن يستخدم ضد الثورة الوليدة. مر زمن قصير وعادت «الوشوشة»!
القسط الأكبر من الممنوعات يتبدل مع السنوات. لديكم مثلاً المطرب الشعبي أحمد عدوية، استطاع أن يقفز بأغنياته إلى العالم العربي، بينما كانت الإذاعة والتلفزيون رسمياً لا تعترفان به، إلا أنه واكب انتشار شريط الكاسيت، فكان الجميع يتعاطون مع أغنياته، كما أنه شارك في بطولة العديد من الأفلام التي حققت أعلى الإيرادات بسبب تلك الأغاني الممنوعة. وكان مواكباً له الثنائي الشاعر أحمد فؤاد نجم والملحن الشيخ إمام. المنع جاء سياسياً هذه المرة، لكن حتى أسوار السجن لم تحل دون انتشار أغانيهما. ومع الزمن تم اختراق الحاجز، وصار التعامل المباشر مع الثنائي (نجم وإمام)، يلقى كل ترحاب وعلى كل المستويات.
آخر الممنوعات «شعبولا» الذي كانت توجه إليه زخات متلاحقة من الاتهامات. وعند رحيله قبل نهاية العام الماضي، بدأ يحظى بالتكريم، وحرص على تقديم واجب العزاء أحد أعمدة الدبلوماسية العرب عمرو موسى، ولم ينس أنه غني له في مطلع الألفية الثالثة «أكره إسرائيل وأحب عمرو موسى».
الأيام كثيراً ما تدفعنا إلى مراجعة ما كنا نعتبره مسلمات وبديهيات لا تقبل حتى النقاش. وهكذا تساقطت تباعاً ممنوعات الماضي. أما الآن فصرنا نعيش زمن اللاممنوع!