مسعود لاوه
صحافي من كردستان العراق انضم إلى أسرة "الشرق الأوسط" في عام 2001 ويعمل حاليا سكرتير تحرير فيها.
TT

الكاظمي وكسر الجليد في كردستان 

منذ الغزو الأميركي للعراق وتحريره من سلطة النظام البعثي في عام 2003، لم يبدِ كرد العراق ثقة واطمئناناً لرئيس وزراء عراقي كما يبدونه الآن تجاه مصطفى الكاظمي. ربما هذا مرده التصريحات الكثيرة التي توحي بنوع من الحزم والعزم على حلحلة المشاكل العراقية من جهة إنهاء سوء الخدمات وانتشار سرطان الفساد في الجسم السياسي والإداري العراقي، وتعهداته الكثيرة بتوزيع عادل لثروات البلد على أبنائه ومواطنيه، أو من جهة محاولاته لإيجاد حل نهائي للمشاكل مع كردستان العراق والخروج من عنق الزجاجة التي تحول دون تطبيع العلاقات بين الإقليم والمركز.
زيارة الكاظمي تأتي في وقت وصلت فيه أزمات العراق، بما فيه إقليم كردستان، إلى وضع ليس من الحكمة الاستمرار في السكوت عنه أو محاولة حلها بعمليات ترقيعية هنا وهناك لا تصلح ولا تغني من فوضى.
لذا يرى بعض الخبراء والمحللين أن الكاظمي يحاول قدر الإمكان أن يبدي بعض الجدية في مساعيه، حتى يكون مختلفاً عن سابقيه قولاً وفعلاً رغم كثرة الذين يحاولون وضع العصي في دواليب مساعيه داخلياً أو إقليمياً.
هناك من يقول إن الكاظمي يهدف من زيارته هذه إلى إقليم كردستان أن يضرب أكثر من عصفور بحجر؛ يريد أولاً تصفير المشاكل مع الإقليم التي تتجلى في الخلافات على تصدير النفط وبيعه من قبل الإقليم، وبالتالي حجب الرواتب عن الموظفين كرد فعل من قبل الحكومة المركزية، وخلافات حول الأراضي «المتنازع عليها»، والجدل حول تطبيق المادة 140 من الدستور لحل هذه الخلافات.
من أهداف الكاظمي الأخرى أيضاً، أنه يريد توصيل رسالة إلى الدول المجاورة مفادها أن إقليم كردستان ما زال جزءاً من أراضي العراق ولا يمكن القبول بأي حال من الأحوال بتجاوز سيادته، خصوصاً بعد العمليات العسكرية التي قامت بها تركيا داخل أراضي الإقليم لاستهداف قوات حزب العمال الكردستاني التركي، والتي راح ضحيتها كثير من أهالي المنطقة من المدنيين والعزل. وبعد عمليات مماثلة قام بها النظام الإيراني داخل الحدود المحاذية لأراضيه؛ لهذا لا نستغرب عندما نعلم أن زيارة الكاظمي تشمل أيضاً محافظة السليمانية القريبة من الحدود الإيرانية والتي تُعتبر مركز نفوذ وقوة للاتحاد الوطني الكردستاني الصديق الأقرب لإيران من داخل الإقليم مقابل الحزب الديمقراطي الذي يُنظر إليه على أنه المقرب من أنقرة. لا شك أن هذا الهدف من الزيارة هو «إعادة السيادة للعراق»، كما أوضحت مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي حملها إلى بغداد، مسنوداً بمباركة أميركية.
ولا ننسى أن ترشيح الكاظمي، وإن جاء من داخل المكون الشيعي العراقي، كان تحت ضغط من الشارع الغاضب الذي كان يطالب بشخص يكون أقرب إلى الاستقلال منه إلى المتحزب مع أحد هذه الأحزاب الموجودة على الساحة العراقية والتي فقدت الكثير من مصداقيتها بعد أكثر من 17 عاماً على حكم العراق بطريقة فاسدة وفاشلة. 
الكاظمي يعرف هذه الحقيقة ولا يرجو، أو ربما لا يريد أصلاً، أن يحظى بأي دعم من هذه الأحزاب، لذا يقال إن ضمن أجندته السياسية تأسيس حزب سياسي يدخل به غمار الانتخابات المقبلة، الأمر الذي يتطلب علاقات تتسم بكثير من الودية وتبادل المصالح مع كل مكونات العراق حتى يكون قادراً على منافسة أحزاب أخرى تتسلح بالأقدمية في الساحة وبالنفوذ عن طريق ميليشيات ودعم من دول مجاورة.
حكومة الإقليم بدورها ستجني ثماراً كثيرة من هذه الزيارة لو توصلت مع الكاظمي إلى تفاهمات تعينها على تخفيف ضائقتها المالية التي نتجت عن سياسات خاطئة وفاسدة في كثير من الأحيان وعن انهيار أسعار النفط والمساهمة الفعالة في حرب مكافحة تنظيم «داعش» واحتضان الأعداد الهائلة من اللاجئين والنازحين من الداخل العراقي أو من الجارة السورية.
ربما يسعى الكاظمي، كوسيط خارجي كردياً وداخلي عراقياً، إلى تقريب وجهات النظر بين أربيل والسليمانية وإنهاء الخلافات العميقة بينهما، وبالتالي تغيير اتجاه بوصلة العلاقات لدى كلتيهما نحو العاصمة بغداد والابتعاد رويداً رويداً عن طهران وأنقرة.
ومهما يكن من أمر، كما يقول المثل الكردي «حتى لو عندك ألف صديق فالعدد قليل... والعدو الواحد يُعتبر من الهموم الكبيرة»، فإن هذه الزيارة ستضيف صديقاً آخر للكرد إذا أسفرت عن تقريب الآراء وكسر الجليد «المقنع» منذ سنوات بين الطرفين.