د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

الإخوان مطية إردوغان

أصبح إردوغان منذ أكثر من عقد من الزمان يستخدم جماعة «الإخوان» مطية لتحقيق أطماعه التوسعية، من أجل إقامة العثمانية الثانية بزعامته، ضمن استغلاله لتقاطع مصلحة «الإخوان» معه في مشروع الخلافة، ضمن علاقة نفعية، حولها إردوغان إلى انتهازية.
إردوغان يستخدم «الإخوان» الآن بيادق لتحقيق مآربه الاستعمارية في الشرق الأوسط، وحلمه في عودة العثمانية الثانية، وتحقيق «الوطن الأزرق»، فوجد ضالته في هذه الجماعة المتعطشة لمشروع الحكم تحت شعار «الخلافة»، لذلك أصبح الهدف الأكبر لإردوغان هو أن يكون خليفة العالم الإسلامي من خلال اتخاذه جماعة «الإخوان» مطية لذلك، التي هي الأخرى تظن أنها تستخدم إردوغان لتحقيق هدفها. فجماعة «الإخوان»، رغم تنظيمها العنقودي، ووجود مرشد ومجلس شورى ومكتب إرشاد، إلا أنها كانت دائمة تائهة مبعثرة في حاجة لقيادة، ولهذا وجدت في إردوغان ضالتها، رغم الموقف الانتهازي من إردوغان في العلاقة النفعية، إلا أن الجماعة قبلت به قائداً لها في هذه المرحلة، والتقارير تشير إلى أن إردوغان يؤوي 20 ألفاً من «الإخوان» الهاربين في بلاده.
الحقيقة أن إردوغان الذي يمجد أتاتورك ومبادئ العلمانية، يتناقض مع شعارات جماعة «الإخوان» التي تناصب أتاتورك العداء، وترفض مبدأ العلمانية في شعاراتها، رغم أن حقيقة «الإخوان» أنها جماعة نفعية براغماتية تقدم المصلحة على المبادئ، ويمكنها أن تتصادم حتى ما تسميه «مبادئ» وثوابت لها.
إردوغان مهووس بالعثمانية الثانية، لذلك أصبحت مسألة الخلافة طريقه الوحيد نحو حكم العالم الإسلامي مجدداً، لذا وجد في جماعة «الإخوان» التي تتبنى مشروع «الخلافة»، وإن كانت برؤية المرشد، حصان طروادة لتحقيق مآربه.
إردوغان متأثر ومتشبع بأفكار الشعبوي والمنظّر والمؤرخ التركي قادر مصر أوغلو، الذي كان يردد «أنا وريث إمبراطورية الكون، ولقد كنت دوماً عثمانياً، وأنا ضد أي شخص يعادي الدولة العثمانية». وعلى هذا الأساس يستطيع المرء أن يجيب عن السؤال التالي: من يستخدم من؟
سؤال جدلي في علاقة جماعة «الإخوان» وإردوغان، ولكن الحقيقة باتت واضحة، وهي أن «الإخوان» هم مطية امتطاها إردوغان لتحقيق مطامعه في المنطقة من تدخل عسكري في سوريا، واجتزاء أراضيها، ونهب ثرواتها، إلى تدخل في ليبيا الذي شرعنه باتفاق غير شرعي مع حكومة غير دستورية، نُصّبت من الخارج، ولم ينتخبها الشعب ولا منحها البرلمان المنتخب الثقة والشرعية، بالتالي فإن هذا الرجل يمثل خطراً كبيراً على الأمن العربي برمته، بل على دول البحر الأبيض المتوسط جميعها.
استخدام إردوغان للجماعة، والتخلي عنها متى شاء، ظهر في قضية ترحيل الإخواني محمد عبد الحفيظ المتهم في قضية اغتيال النائب العام المصري، وترحيله من تركيا إلى القاهرة، رغم المعارضة الشديدة لقيادات الجماعة، الأمر الذي يعكس حقيقة من يتحكم في العلاقة بين إردوغان و«الإخوان»، وبالتالي أصبح واضحاً أن إردوغان هو من يحكم العلاقة وليس الجماعة، على العكس مما هو الحال في قطر، حيث إن التنظيم هو المتغلغل في مفاصل الدويلة لسنوات طويلة، وما نظام الحمدين سابقاً إلا واجهة سياسية يحركها التنظيم كيف يشاء، على العكس من إردوغان في علاقته النفعية مع جماعة «الإخوان»، يمكنه خلع عباءة «الإخوان» ونقض البيعة معهم إذا شعر بالخطر على مصالحه، فعلاقة إردوغان مع «الإخوان» لا يمكن فصلها عن الشراكة الانتهازية مع الجماعات المتطرفة، لاستخدامهم أدوات للتمهيد لعودة النفوذ الطوراني للمنطقة، التي حكمها الأتراك أكثر من خمسة قرون، باسم «الخلافة العثمانية»، وليس الإسلامية، لأن جميع السلاطين والولاة كانوا أتراكاً من القومية الطورانية، مما يعني أن الحكم كان حكم قومية واحدة لقوميات أخرى.